- أين وصلت الشراكة الاستراتيجية بين أمريكا والهند في السنوات الثلاث عشرة الماضية وأين تتجه؟
- تحرص نيودلهي بشدة على تحقيق الاستقلال الذاتي الاستراتيجي.
- لن تقبل الهند خدمة واشنطن في سياستها تجاه الصين وروسيا وإيران أو في الأمم المتحدة.
بقلم: حمزة شاد
بينما نقترب من الموعد الجديد للحوار “2 + 2” الذي تم تأجيله مرتين بين مسؤولي الحكومة الأمريكية والهندية، لابد من التفكير في الوضع الحالي للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند.
فقد كان اتفاق التعاون النووي المدني، الذي أبرم سنة 2005 بين البلدين، يعتبر على نطاق واسع نقطة محورية لبدء المواءمة الوثيقة بين نيودلهي والصين. لكن الأحداث الأخيرة كانت عبارة عن مزيج من التطورات الإيجابية والسلبية، مما جعل من الصعب تقييم المسار المستقبلي للعلاقات الثنائية بين هذين البلدين.
بعد توليه منصب الرئاسة، أعرب دونالد ترامب عن خططه المتعلقة بالتقارب مع الهند، حيث أعاد البنتاغون تسمية قيادة الباسيفيك إلى “القيادة الهندية الباسيفيكية”، مما أعطى مركزية أكبر للهند كشريك استراتيجي مواز للصين. وردت نيودلهي على هذا القرار بزيادة مشتريات المعدات الدفاعية الأمريكية، ناهيك عن إحياء الحوار الرباعي الأمني مع اليابان وأستراليا والولايات المتحدة.
في الآونة الأخيرة، جدت خلافات ملحوظة بين الدولتين، خاصة حول قضايا التجارة والدفاع. فقد أعلنت إدارة ترامب عن وضعها تعريفات جمركية على الصلب الهندي والألومنيوم خلال شهر آذار/ مارس، في حين استجابت إليها الهند خلال شهر حزيران/ يونيو بفرض رسوم جمركية على مجموعة واسعة من السلع الأمريكية. ورغم أن تطبيق هذه التعريفات الانتقامية قد تأجل حتى شهر أيلول/ سبتمبر، إلا أنها قد تؤثر على التعاون بين الولايات المتحدة والهند.
يبدو أن إيلاء إدارة ترامب أولوية منخفضة لعلاقاتها مع الهند، الذي يعزى جزئيا إلى انشغالها بالصراعات في الشرق الأوسط وشرق آسيا، قد ساهم في تنامي الخلاف بين واشنطن ونيودلهي. فضلا عن ذلك، عمّق تعاون إدارة ترامب المتزايد مع باكستان بشأن ملف أفغانستان على حساب العلاقات الهندية الأمريكية من هذه الفجوة بين البلدين، وذلك على حد تعبير الصُحفية سوهاسيني حيدر.
في مقال افتتاحي نشر خلال شهر تموز/ يوليو في صحيفة “ذا هندو” حول الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن ونيودلهي، أفادت حيدر بأن “كلا العاصمتين تعترفان، في الوقت الراهن، بكل صراحة باختلاف مصالحهما”، مؤكدة أنه “لم يعد هناك متسع من الوقت لحل المشاكل التي تشوب هذه العلاقة”. وقد اتخذت الولايات المتحدة خطوة نحو تعاون أوثق مع الهند من خلال منحها تفويض بتجارة المواد الاستراتيجية، الذي يسهّل عملية بيع منتجات التكنولوجيا المتقدمة إلى الهند.
على خلفية هذا الوضع المعقد، لسائل أن يسأل: إلى أي مدى وصلت الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند في السنوات الثلاث عشرة الماضية أو نحو ذلك وإلى أين تتجه؟
هناك مدرستان فكريتان أساسيتان حول العلاقة بين الولايات المتحدة والهند؛ وتشير إحداهما إلى أنها ستتحرك نحو إبرام تحالف استراتيجي، على غرار ما يتنبأ به مهندسو اتفاقية التعاون النووية المدنية بين الولايات المتحدة والهند.
في المقابل، يرى المعسكر الآخر أن الهند سوف تتفق مع الولايات المتحدة عندما تشعر أن ذلك ضروري، ولكنها في الوقت ذاته تريد أن تحافظ على قدر كبير من الاستقلالية على المستوى الاستراتيجي. ولكن إيجاد مقياس لتقييم هذه التنبؤات المتناقضة يمثل في حد ذاته تحديا.
انعدام التوافق في الأمم المتحدة
ومن بين المقاييس التي يمكن أن تكون بمثابة دليل على مدى المواءمة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند، نمط التصويت المتبع من قبل كليهما في القرارات المتعلقة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تعد من المؤسسات الدولية الرئيسية. وتشير سجلات التصويت الهندية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تتعلق بالقرارات المتعلقة بخصوم الولايات المتحدة مثل إيران وروسيا، إلى أن الهند تحافظ دائما على استقلالها الاستراتيجي على خلاف البلدان التي تتبع مواقف الولايات المتحدة في الشؤون الدولية.
إلى جانب ذلك، يمكن ملاحظة عدم التوافق بين المصالح الأمريكية والهندية بشكل منهجي من خلال تصرفات الدول ونمط تصويتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويظهر اختلاف الهند مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة في نمط تصويتها منذ فترة طويلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي لم يتغير بشكل كبير منذ أن توصلت إدارة جورج بوش إلى اتفاق تعاون نووي مدني سنة 2005 مع الهند.
على الرغم من أن هذه الصفقة تعد على نطاق واسع امتيازا كبيرا بالنسبة للهند ونقطة محورية في العلاقات بين الولايات المتحدة والهند، إلا أنها لم تسفر عن حدوث تغيير مماثل في الدعم الهندي للولايات المتحدة في تصويت الأمم المتحدة. ولطالما كانت الهند والولايات المتحدة على خلاف في الأمم المتحدة وخاصة خلال الحرب الباردة عندما كانت الهند تتزعم حركة عدم الانحياز. وبعد نهاية الحرب الباردة وزوال حركة عدم الانحياز، لم تتقلص الانقسامات بين نيودلهي وواشنطن بشكل ملحوظ، حتى بعد إبرام اتفاقية التعاون النووي المدني الأمريكي الهندي.
فعلى سبيل المثال، من بين ما يقارب ألف قرار تم تمريره بين سنتي 2005 و2017، اتفق البلدان على 13 في المائة من القرارات فقط (علما بأنه تم قياس المرات التي قاما فيها بالتصويت بالطريقة نفسها، والمرات التي كانا فيها غائبين عن التصويت). وقد شهدت نسبة توافق التصويت بين الهند والولايات المتحدة ارتفاعا طفيفا، من 13 في المائة سنة 1990 إلى 17 في المائة سنة 2017. ويعتبر مدى اتساق الهند مع الولايات المتحدة أقل من مستوى روسيا، ومتساويا تقريبا مع الصين.
لا تعكس التوجهات المذكورة أعلاه وجود أي توافق استراتيجي بين البلدين، حيث تبقى النسب على ما هي عليه حتى إذا أخذنا في الحسبان الطبيعة الخاصة للصراع العربي الإسرائيلي كموضوع رئيسي تصوت عليه الأمم المتحدة بانتظام، الذي تتناقض فيه الولايات المتحدة إلى حد كبير مع الهند ومعظم المجتمع الدولي.
وإذا تم إلغاء جميع القرارات المتعلقة بإسرائيل وفلسطين، فلن يتغير الاختلاف بين الولايات المتحدة والهند بشكل جذري، حيث أن نسبة التوافق فيما يتعلق بالتصويت في جمعية الأمم المتحدة لم تتجاوز 17 بالمائة بين سنة 2005 و2017. وعموما، تصوت نيودلهي بطريقة مختلفة عن الولايات المتحدة حول قضايا مهمة تتعلق بالأسلحة والأمن النووي وحقوق الإنسان والتنمية.
من خلال الرسم البياني المذكور أعلاه، يبدو أن الاختلاف في نمط التصويت واضح بين الولايات المتحدة والهند عند مقارنته بالحلفاء التقليديين للولايات المتحدة؛ على غرار المملكة المتحدة، أو فرنسا أو إسرائيل، الذين تقاربت سجلات تصويتهم في الجمعية العامة للأمم المتحدة مع الولايات المتحدة بمعدلات أعلى بكثير خلال الفترة الزمنية ذاتها.
بالمقارنة مع الهند التي تبلغ نسبة توافقها في نمط التصويت مع الولايات المتحدة في الفترة الممتدة بين 2005 و2017، 17 بالمائة، كانت نسبة توافق المملكة المتحدة مع الولايات المتحدة 66 بالمائة، وفرنسا 60 بالمائة، وإسرائيل 77 بالمائة.
في المقابل، بلغت هذه النسبة 15 بالمائة بالنسبة للصين و25 بالمائة لروسيا. وبالتالي، من الصعب وصف العلاقات بين الولايات المتحدة والهند بالشراكة الاستراتيجية الوثيقة عندما لا تختلف الطريقة التي صوتت بها الهند في الأمم المتحدة كثيراً عن المنافسين الأبرز للولايات المتحدة.
يبرز هذا التساؤل جليا حول السبب الذي يجعل هذه الأنماط شديدة الأهمية، ويرجع ذلك إلى أن التصويت في الأمم المتحدة يكتسي أهمية كبرى نظراً لكونها بمثابة المنتدى العالمي الأكثر تأثيرا على الإطلاق. وتعمل الدول المنتمية إليها على مناقشة قضايا دولية حاسمة مثل نزع السلاح والأمن النووي وحقوق الإنسان والنزاعات الإقليمية والحروب.
بشكل عام، يعكس التناسق بين الأصوات مدى تقارب هذه البلدان وتباعدها، وهو ما يدفع الشركاء الاستراتيجيين إلى دعم بعضهم البعض بشكل طبيعي في كنف هذا النظام العام. وفي هذه الحالة، تعكس سجلات التصويت الهندية والأمريكية داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة اختلافات دائمة بين البلدين، فضلاً عن بعض المصالح المتقاربة.
شراكة الهند مع خصوم الولايات المتحدة
تمتلك الهند عدة أسباب لتحقيق استقلال ذاتي استراتيجي، ويشمل ذلك موقفها غير المنحاز الذي اعتمدته لفترة طويلة، بالإضافة إلى خبرتها الطويلة مع الاستعمار في الماضي. علاوة على ذلك، يدرك العديد من الهنود أن بلدهم يتمتع بالقدرة على صنع القرار والتحكم في مصيره على المدى الطويل داخل عالم متعدد الأقطاب.
ويرجع ذلك إلى كون الهند اقتربت من تصدرها قائمة البلدان التي تضم أكبر عدد من السكان، كما أنها سابع أكبر دولة من حيث المساحة. عموما، إذا استطاعت الهند تسخير إمكانياتها والتأكيد على مصالحها الاستراتيجية، سنجد أنها ستمتنع عن قبول لعب دور الشريك الصغير للولايات المتحدة الأمريكية.
يعتبر هذا الأمر واضحاً عندما نتبين طبيعة العلاقة بين بكين ونيودلهي. ومن جهته، سعى ناريندرا مودي إلى تبني موقف يسعى من خلاله إلى التصالح مع شي جين بينغ، كما وُصفت قمة ووهان خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي بين الزعيمين بأنها محاولة من طرف مودي لإعادة العلاقات مع الصين، والتي سبق لها أن شهدت توترا بعد أزمة حدود منطقة دوكلام بين الصين والهند.
على الرغم من كون هدف الاجتماع الرئيسي لم يكن يتمحور حول السعي إلى تحقيق التوافق الاستراتيجي مع الصين، إلا أنه أظهر أن الهند لا تسعى إلى أن تكون مقيدة بتفضيلات وسياسات واشنطن المتباينة تجاه الصين. ومن المرجح أن نيودلهي ستتوصل إلى استنتاج مفاده أنه من الأفضل الإبقاء على خط رفيع فاصل بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بدلا من التحول إلى القوة الموازية لبكين لدى واشنطن.
في واقع الأمر، تساهم الحوافز التي تلقاها الهند والتي تشجعها على التعاون مع الصين في عرقلة محاولات تقوية الاتفاق الرباعي بين الهند واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، والتي تشكلت بالأساس لتقييد الصين.
وقد صرح الباحث في مؤسسة راند للأبحاث والتطوير، ديريك غروسمان، أن “الهند كانت أقل حماسا بشأن الاتفاق الرباعي في أعقاب قمة ووهان”. وإن لم يكن ذلك كافياً، امتنع مودي عن انتقاد السياسة الصينية خلال حوار شانغريلا في شهر حزيران/ يونيو الماضي، لكنه سلط الضوء على أهمية الثقة والتعاون بين الصين والهند.
عموما، تحرص الهند على عدم الإشارة إلى الصين على أنها خصم لها بصفة علنية، وذلك بشكل مغاير لسياسة الولايات المتحدة حيال هذا الشأن. ويمكن لهذا التمشي أن يفسر سبب تخلي الهند عن الانضمام إلى الدول الثلاث الأخرى، التي تشكل قوام الاتفاق الرباعي، خلال سعيهم لتمويل مشاريع بنى تحتية أُعلن عنها حديثاً في منطقة المحيط الهادي الهندي.
علاوة على ذلك، تعمل سياسة الهند تجاه إيران على تعقيد علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما دفع واشنطن إلى الضغط على نيودلهي لقطع علاقاتها المتجذرة مع طهران. كما أعلنت إدارة ترامب أنها ستفرض عقوبات على الدول التي تستورد النفط من إيران ابتداء من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، ولن يتم منح أي استثناءات.
في هذا الصدد، تعتبر الهند ثاني أكبر مستورد للنفط الإيراني، ناهيك عن كونها مستثمرا رئيسيا في إيران من خلال مشروع مطار جابهار، وهو ما دفعها لتلبية مطالب الولايات المتحدة. في المقابل، حافظت وزيرة الشؤون الخارجية الهندية، سوشما سواراج، على الحياد، مشيرة إلى أن الهند لن تجعل سياستها الخارجية تتأثر بضغوطات البلدان الأخرى.
وقد منحت الحكومة الهندية موافقتها على نشاط بنك باسارجاد في منتصف شهر تموز/ يوليو، ليصبح بذلك أول بنك إيراني يفتح أبوابه في مومباي، العاصمة المالية للهند. ويعد الحفاظ على هذا النوع من الحرية والاستقلالية للتواصل مع طرفي النزاع أمراً مختلفا تماما عن الشراكة الاستراتيجية للهند مع أي منهما.
في المقام الأخير، تسعى الهند إلى تحسين علاقاتها مع روسيا، حيث سبق لمودي السعي لتوطيد علاقاته الشخصية مع فلاديمير بوتين، كما أن الهند لا تنوي وقف علاقاتها التجارية مع روسيا في مجال تجارة الأسلحة. وعلى الرغم من اعتراض الولايات المتحدة، تنوي الحكومة الهندية إبرام صفقة شراء أنظمة الدفاع الجوي “إس ـ 400” تريومف طويلة المدى.
من جهتها، أعلنت وزيرة الدفاع الهندية، نيرمالا سيثارامان، أن الهند تمتلك علاقة جيدة مع روسيا، التي سبق اختبارها على مر الزمن، وأكدت أن بلادها لا تعترف إلا بعقوبات الأمم المتحدة، وليس العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة بصفة فردية.
وفي الوقت الذي تقدم فيه الحكومة الأمريكية عدة تنازلات في خصوص “قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات” لصالح الهند، تظهر هذه المسألة أن مصالح البلدين غير متوافقة، لكن هناك حاجة ملحة لإنجاح هذه العلاقة عن طريق الحلول البديلة.
في الوقت الحاضر، يبدو التوتر بين نيودلهي وواشنطن حول القضايا الاستراتيجية واضحاً للعيان. وفي حين يمكن تبين وجود عدة نزاعات بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين بسبب طبيعة إدارتها الحالية، من المرجح أن يؤثر الشجار مع الهند على الحكومة الهندية بشكل أكبر بسبب عدم الثقة الموجودة مسبقا بين البلدين والتاريخ القصير للعلاقات الوثيقة مع الحكومة الأمريكية.
عند هذه النقطة، لا تتجاهل الأدلة المقدمة في هذا المقال حقيقة أن التعاون بين الولايات المتحدة والهند قد تحسن بشكل ملحوظ خلال العقود القليلة الماضية، لكنها تهدف إلى الحد من التوقعات التي ترى بأن الشراكة ستزدهر على نحو سريع، أو حتى ثابت. ومن المهم أن يمتلك المرء فهماً عمليا للقيود المحتملة على الروابط بين الولايات المتحدة الأمريكية والهند.
في الوقت الذي شهدت فيه العلاقات الهندية الأمريكية مطبات متعددة، تبدو فكرة إقامة شراكة استراتيجية قوية بين البلدين مستبعدة بعض الشيء، وذلك بشكل مخالف لتوقعات مؤيدي الاتفاق النووي المدني المبرم بين البلدين سنة 2005.
وفي نهاية المطاف، تقدر نيودلهي تمكنها من تحقيق الاستقلال الذاتي الاستراتيجي بشدة، وهو ما يعني أنها لن تقبل خدمة واشنطن بشكل طوعي فيما يتعلق بسياستها تجاه منافسي الولايات المتحدة مثل الصين وروسيا وإيران، أو في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة.