بقلم: علي الخشيبان
وصل الثوار في سورية إلى كل من كانوا خلف المذابح الدموية فقتلوا وزير الدفاع ونائبه وكل القادة في عملية شديدة التعقيد والغموض وستكون تفاصيلها مثيرة للعالم عندما يتم الكشف عنها لاحقا فقد تكون عملية لها علاقة بتصفيات متعمدة وخوف من كشف أسرار وطنية وخيانات دولية ليبقى السؤال هل هناك عملية تفجير وقتل فقط أم أن هناك قصة أخرى؟!
هذه العملية مهما كانت تفاصيلها فهي تعبر عن سيطرة ظاهرة الانشقاق النفسي وهي مرحلة اشد تأثيرا من الانشقاق الفعلي فهناك إكراه كبير للجنود لكي ينفذوا التعليمات ولا يستبعد استخدام نظام الأسد لمؤثرات علاجية على الجنود لتنفيذ الأوامر هذا بجانب التخويف والقتل لمن يمتنع عن تنفيذ الأوامر وهناك الكثير من القصص التي تروى حول عمليات تهديد بالقتل والسجن يرويها الجنود والضباط كما ظاهرة التهديد للدبلوماسيين وغيرهم هي من القصص لهذا النظام.
نحن اليوم أمام نوع مؤثر من الانشقاقات سيكون فتاكاً وهو الانشقاق النفسي المعنوي وفقدان الثقة وعملية قتل وزير الدفاع ومساعديه تقع تحت هذا البند فكما يبدو أن الجميع يريد أن يتخلص من النظام وخاصة فئات الجنود وصغار الضباط ويعملون بانشقاق من نوع مهم وهو تسريب المعلومات والحقائق حول قيادات النظام السوري وما عملية قتل وزير الدفاع لتحدث لولا أن خلفها أزمة ثقة وانشقاقا معنويا تم استثمارهما .
اليوم ودون شك النظام القمعي والتسلطي الدكتاتوري في سورية يتذوق نفس الطعم لمنهجه في الأساليب الاستخباراتية ويحاول جاهدا أن يكون متزنا ولكن كما تشير الأحداث فإن النظام وقادته المتبقية تتساقط تباعا ومؤشرات الحراك الثوري في دمشق تشير إلى أن قوات الأسد السياسية وليس العسكرية قد غادرت العاصمة دمشق.
سورية أمام سيناريو أشبيه بما حدث في ليبيا وإذا لم ينتقل الأسد إلى دولة أخرى وهو لن يفعل فسيجد نفسه في قبضة الثوار قريباً فالتطورات الميدانية تتسارع بشكل كبير فلم يعد هناك شك في أن النظام السوري انتهى وما بقي هو قضية وقت لا أكثر كما أن العالم العربي وخلال أربع تجارب من الثورات العربية أدرك حقائق كثيرة حول لعبة السياسة الدولية ويستطيع أن يفرق بين ما يجري على الأرض، وبين ما يتم الحديث عنه في الاجتماعات الدولية.
الفراغ الذي قد يتركه هذا النظام في منطقة شديدة الالتهاب هو أكثر ما يخشاه العالم فهناك تجربة سابقة في العام 2003 م عندما سقط العراق وسقط الجيش العراقي وانتهى العراق إلى فوضى لعبت فيها الطائفية والعرقية دورا في إشعال حرب أهلية لازالت آثارها قائمة حتى الساعة لذلك فإن السؤال القائم هو : هل سيتمكن العالم من توفير انتقال مناسب للسلطة في سورية وبقاء الجيش النظامي ومؤسسات الدولة الأساسية، لكي لا تتكرر قضية العراق..؟
كل الاحتمالات مطروحة ولكن من المشاهدات على الأرض لا يبدو الوضع كذلك هذا بالإضافة إلى عمق التدخل الإيراني وحزب الله في سورية والاعتماد على نظام العصابات من جانب إيران وحزب الله، وإمكانية دخول عناصر من القاعدة في خضم القضية كل هذه الاحتمالات قائمة ستخلط أوراق اللعبة هناك.
اليوم تطرح الأسئلة عن مستقبل سورية ما بعد الأسد وهل سيرث الثوار دولة أم سيرثون أزمة..؟ هل سيتمكن السوريون من الذهاب إلى صناديق الاقتراع العام القادم بعدما دمر النظام دولتهم بذات الجيش الذي بناه الشعب..؟ وهل سيتم قتل كل السوريين باستخدام الأسلحة الكيميائية التي قد يستخدمها النظام ضد شعبه أو يفقد السيطرة عليها كنتيجة طبيعية لتفاقم الأحداث وسيطرة الثورا..؟
الفرصة الأخيرة لحل سلمي قد تشرق بانقلاب قد ينفذه قائد الجيش السوري الجديد ووزير الدفاع فهو الفرصة الخيرة لوطنه سورية كي يساهم في ايقاف نهر الدم الذي سيزداد جريانه إذا ما كان وزير الدفاع الجديد يفكر جدياً في انتهاج نفس الأسلوب السابق لداود راجحة وزيره السابق.
الوزير الجديد العماد جاسم الفريج وهو من مواليد مدينة حماة لديه الفرصة التاريخية لكي يسطر إنقاذ وطنه في تاريخ سورية فالأرض السورية مليئة اليوم بالأحداث، والأوراق مختلطة بشكل كبير وهناك خوف كبير وقادم فالفرق بين المجاهدين السوريين المدافعين عن أعراضهم ودينهم، وبين عناصر القاعدة الذين يصفون حساباتهم مع النظام سوف يتلاشى، والجميع قد يجد نفسه متهماً بالانتماء إلى القاعدة ونشاطها.
الجيش الحر قد يتحول في مرحلة قادمة إلى مجموعات مسلحة، والأقاليم الطائفية سوف تواجه مصيرا مؤلما وخاصة إذا دخلت الأزمة مرحلة التصفيات وبدأت عملية احتلال المدن والمراكز ورفع الأعلام فوقها، وهناك لن يكون تقسيم سورية هدفا كما يعتقد الكثير بل سوف تندلع حرب أهلية مخيفة هدفها إحراق سوري ولن تكون اقل في تأثيرها من تلك الحرب التي دمرت لبنان قبل عقود.
النظام السوري يريد أن يصل إلى هذا المشهد من الحرب الأهلية بمساعدة دول ومنظمات لأن هناك مصالح وأدوارا مشبوهة يراد تنفيذها للسوريين ووطنهم، وسيكون الشعب السوري ضحية هذه المخططات فالعالم اليوم ليس أمامه سوى أن يتدخل أو ينتظر الفاجعة المخيفة للحرب الأهلية القادمة لهذا فالتساؤل اليوم يجب أن لا يكون كيف سيسقط النظام..؟ لأن هذه المرحلة أصبحت قريبة جدا بل إن النظام يفقد السيطرة على مساحة واسعة من الأرض السورية، ولكن الأزمة هي: من هو بديل النظام..؟ هل هو استقرار ومحاولات ديمقراطية وبناء دولة أم هو حرب أهلية وصراع أم تقسيم سورية..؟
ما تشهده سورية هو نتيجة طبيعية لتاريخ طويل من الشعارات الزائفة، والمقاومة انتهت وانكشفت عبر ثورة شعبية فلم يعد ينجح الاختفاء خلف بوابات المقاومة لان ملف الخيانات العربية والقومية يعمل على كشف نفسه وتصفية رموزه واحداً تلو الآخر لأن هذه المجتمعات تخلت عن العقلانية ومنهج السياسة بالمصالح واستبدلتها بشعارات أجرت من تحتها كل نواقض السياسة من الخيانات للأوطان والشعوب.