نظرة بانورامية سريعة على المدن السورية، تجعل الناظر يجزم ويخرج بنتيجة واضحة عمّن هو الإرهابي الحقيقي الذي أجرم بحق الشعب السوري وبحق تاريخه وجغرافيته، ومعه بحق منطقة غدت الآن برميل بارود نتيجة الأحقاد والثأر الذي يعتمل في أحشائها.
ومع هذا نرى إعلاماً وساسة وخبراء يكذبون ويحوّرون الحاضر الذي نراه ونعيشه.. فكيف بمقدورنا أن نستأمنهم على تاريخ. فالإرهابي الحقيقي هو من خنق أكثر من 1500 مدني معظمهم أطفال ونساء بالكيماوي وفي يوم واحد في الغوطة، ليدشن بذلك عصراً جديداً في قتل السوريين بمباركة دولية غير مسبوقة، جعجع يومها من جعجع ثم صمت الجميع، وكرّت سبحة استخدام الكيماوي ثم الكيماوي المعدل ولا يزال…
ومن قبل الكيماوي وبعده، كانت العصابة المحتلة للشام قد استخدمت كل ما تملكه من ترسانة عسكرية فرّغتها في أجساد السوريين، فكان عصر البراميل المتفجرة، وعصر صواريخ السكود المدمر، وعصر صور قيصر الذي كشف ما تقشعر له الأبدان من سلخ جلود المعتقلين أحياء وبلغت عدد الصور 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل كانت كافية لتهز الضمير الإنساني.
لكنه كان ضميراً ميتاً لا حراك فيه، وصاحب ذلك كله عصر الطيران الحربي الذي دكّ المدن والقرى. وحين عجز عن تدمير ما تبقّى كان الطيران الروسي والأميركي والميليشيات الطائفية تحرث معه الأرض، وتقدّم له ما عجز عن السيطرة عليه أرضاً على طبق من دم، وسط وليمة لدماء السوريين وانتهاك أعراضهم وتشريد الملايين منهم، فتحوّلت مدن عريقة إلى يباب.
كما رأى الجميع مشاهد الغوطة ودرعا وحمص والقصير ودير الزور والرقة ومعظم المدن السورية، ووجد قتلتنا فرصهم باتهام بعضهم بعضاً من أجل تحقيق تنازلات أو مزايدات رخيصة على دماء من تبقى من السوريين، فكان كل طرف يتهم الآخر بتدمير هذه المدينة فيرد عليه الآخر باتهامه بتدمير المدينة الأخرى.
ويأتيك بعضهم وبعضنا ليتهم فصائل بالإرهاب، في حين لا يوجد حتى اليوم فصيل وطني سوري واحد نفّذ عملية عسكرية خارج سوريا، باستثناء داعش؛ بل كل الفصائل كان قتالها داخل سوريا.
بينما من يتهمنا ويتهم فصائلنا بالإرهاب سافر آلاف الأميال ليدمر بلادنا ويقتل شعبنا ويهجر أهلنا ومع هذا لا يجرؤ أحد على وصمه بالإرهاب.
وحتى الميليشيات الطائفية غير الخاضعة للدول لم يُتهم أحد منها بالإرهاب وهي التي فعلت مئات أضعاف ما فعلته داعش في سوريا وبحق السوريين، وهي التنظيم الذي نُكبت به الثورة، فكانت أداة مهداة لكل قتلة الشعب السوري يعلّقون عليها مشاكلهم وجرائمهم.
الإرهابي الأكبر والمجرم الحقيقي هو من دمّر المدن السنية الشامية العريقة، ومن قبلها المدن العراقية العريقة، والإرهابي الأكبر هو الذي وفّر أرضاً خصبة للتطرف والانتقام والثأر، قد لا تؤتي أكلها اليوم أو غداً، ولكن حتماً فإن ملايين الشهداء والمعتقلين والجرحى والمشردين في ذينك البلدين سيثأر لهم بضعة آلاف على الأقل.
سيرحل الإرهابي الكبير وأذنابه يوماً ما، وسيبقى أهل هذه المنطقة متمسكين ببيوتهم وبأرضهم، وحينها فقط سيدرك الإرهابي الأكبر أنه كان يزرع وهماً وسراباً، وأنه كان يحرث البحر، وأن من عوّل عليه في إبادة الغالبية إنما كان يضع حمله على جمل كسيح أعرج.