رؤية مختلفة للأحداث !

ماذا خسر العالم بخذلان الثورة السورية؟

0

بوقوفه إلى جانب الاستبداد بذر العالم كله بذور عنف قلما يتحدث عنه أحد، وتغيب عنه حتى الدراسات الغربية. وستكون الموجة الثانية قاسية على الداعم والحامي للاستبداد العربي!

بقلم: أحمد موفق زيدان

حين يتحدث الجميع عن يالطا جديدة حصلت بقمة هلسنكي بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتن، فهذا يعني باختصار أن عالم ما بعد هلسنكي ليس كما هو قبله.

وأن الأسس الأخلاقية لتقسيم النفوذ في العالم لا تزال هي نفسها قبل مائة عام، لم يتغير شيء على اجتماع سايكس بيكو، وبالتالي فإن الأضرار التي لحقت بالعالم خلال المائة عام الماضية لا تزال مرشحة للحوق به اليوم وغداً.

لقد أطلق ناشطو سوريا على الثورة الشامية تسمية الثورة الفاضحة، ورفعوا شعارهم المميز منذ البداية ما لنا غيرك يا الله، وبالتالي لم يصمد أصدقاء سوريا الذين وصل عددهم إلى أكثر من مائة أمام أي اختبار تعرضوا له، وتعرض له من قبل ومن بعد الشعب السوري وثورته، فكان الخذلان سمة الثماني سنوات العجاف على الثورة السورية والإنسانية.

تحطمت كل الشعارات الغربية والإنسانية من الحكم الرشيد والمواطنة البعيدة عن الطائفية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ومعها كل الشعارات الرنانة الطنانة التي قرأنا وسمعنا عنها ليتبين لاحقاً أن كلها انتحرت على صخرة الشام وثورتها.

وما قيل يوم مجازر الهوتو والتوتسي في راوندا على أنها آخر المجازر، لم تكن إلّا أكذوبة فقد زيد عليها في الشام والعراق الذبح بالسكاكين، وبقر بطون الحوامل وحتى ذبح الأطفال بالسكاكين على يد الطائفيين في الحولة، والبياضة، ومئات المجازر والمذابح الأخرى.

ليتطور الأمر بعد صمت الإنسانية إلى استخدام البراميل المتفجرة، وصواريخ السكود المدمرة، وقصف الطيران في المناطق المأهولة بالسكان. ومع استمرار مؤامرة الصمت يتواصل تطور استخدام الإجرام فكان استخدام الكيماوي بشكل روتيني.

ومعه يتواصل محو كل الخطوط الحمر الذي رسمها العالم لطاغية وحماته، والأغرب أن يتطور إلى ما هو غير مسبوق بتاريخ العلاقات الدولية الصمت والمباركة لاحتلالين مزدوجين لعضو في الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي قد يشكل سابقة خطيرة لدول العالم الأخرى يكون خسرانه ليس للشام فحسب، وإنما لما بعدها.

خسرت الإنسانية كثيراً، وانتحرت نماذج الديمقراطية الغربية التي بشروا بها لعقود، ومعها خسر العالم ثقة الشعوب كلها بأي أنموذج يحكم، سوى حكم المافيات والعصابات والبراميل المتفجرة.

وظهر أن لا فرق كبيراً بين الاستبداد العلني والاستبداد الباطني المغلف بشعارات الديمقراطية الغربية، بعد أن وقفت بكل قوة إلى جانب الاستبداد في مواجهة ربيع الشعوب العربية الطامح إلى التحرر من أغلال العبودية.

لقد بذر العالم كله بوقوفه إلى جانب الاستبداد في الشام والعراق ومصر وليبيا واليمن وغيرها بذور عنف قلما يتحدث عنه أحد، وتغيب عنه حتى الدراسات الغربية، فالملايين التي قتلت وشردت واعتقلت وعذبت ستنتج أضعافها ممن يثأرون وينتقمون لأقاربهم ولبيوتهم.

وحينها ستكون الموجة الثانية قاسية على الداعم والحامي للاستبداد العربي، لنتذكر جميعاً ما أفرزته الحرب الأفغانية بعد حرمان المجاهدين الأفغان من النصر على الشيوعية فكانت حركة طالبان، وحين حوربت الحركة كانت النتيجة ظهور القاعدة ثم داعش وهكذا.

العالم خسر تماماً كل مبادئ الأخلاق التي تغنى بها، ولم يعد هناك فرق كبير بين مستبد وبين من يتشدق بديمقراطية وعدالة لا وجود لها إلّا في مخيلته، فلا تزال مقولة روديارد كيبلنغ تتردد صداها وفعالها إلى اليوم: «الغرب غرب والشرق شرق، ولن يلتقيا» تلك هي عنصريتهم التي حكمت الماضي، وستحكم الحاضر والمستقبل.

* د. أحمد موفق زيدان كاتب وإعلامي سوري.

المصدر: «العرب» القطرية

مفاتيح: سوريا، المجتمع الدولي، الثورة السورية، قمة هلسنكي، تقاسم النفوذ، الشعارات الغربية والإنسانية، مؤامرة الصمت، موجة العنف الثانية،

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق