بقلم: سالم الكتبي
هناك تهديد عقائدي طائفي يحمل شعارات تحريضية تستهدف توظيف المواطنين الشيعة في دول مجلس التعاون واستقطابهم لمصلحة الدعاية الإيرانية واستمالتهم عاطفيا لمصلحة المشروع
الأيديولوجي الإيراني.
أثناء رحلة عمل خارجية مؤخرا سألني أحدهم لماذا ترون إيران خطرا عليكم في الخليج العربي؟ وكنت قد ذكرت له أنني كتبت، وكذلك فعل كثيرون غيري، حول مظاهر الجنون والعبثية الطائشة في ممارسات النظام الإيراني، وأن تجاهل هذا النظام للقانون الدولي والأعراف والمواثيق الدولية باتت مسألة لا خلاف عليها، ولكن يبدو أن التناول الأشمل للخطر الإيراني يحتاج إلى مزيد من التركيز، لا سيما أن فهم حدود الخطر الإيراني يتطلب فهما متكاملا لحدود هذا الخطر ومظاهره وأبعاده.
في هذا المقال أحاول تتبع هذه المظاهر وفي مقدمتها السعي الحثيث إلى فرض طوق حصار استراتيجي حول دول مجلس التعاون بشكل مباشر وغير مباشر عبر توسيع النفوذ الإيراني في دول مثل سوريا والعراق ولبنان شمالا واليمن جنوبا، وذلك من خلال وكلاء إيران الممثلين في حزب الله اللبناني والحشد الشعبي الشيعي وجماعة الحوثي، فضلا عن تمويل وتحريض جماعات مناوئة للدولة في البحرين وتأليب الشيعة في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، إضافة إلى مد النفوذ الإيراني في منطقة القرن الأفريقي بل وفي دول أخرى ذات تأثير في الأمن الوطني الخليجي مثل باكستان وأفغانستان وبعض الدول الأفريقية.
وثاني هذه المظاهر يتمثل في استخدام المردود الاقتصادي الذي ترتب على تنفيذ الاتفاق النووي الموقّع بين إيران والقوى الكبرى وتوجيه معظم الأموال والأرصدة الإيرانية المجمدة في دول العالم بعد الإفراج عن الكثير منها نحو تمويل مخططات التوسع المذهبي الإيراني.
وثالثها إطلاق يد الحرس الثوري بما يمتلكه من موروث طائفي عدائي لدول الجوار الخليجية والعربية في إدارة العلاقات الإيرانية إقليميا، حتى أن الجنرال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري بات يعمل بصفة رسمية مستشارا عسكريا للحكومة العراقية وبات ظهوره أكثر من مرة ميدانيا في كل من العراق وسوريا مسألة مألوفة.
ورابعها تنفيذ عمليات تطهير عرقي وخطط إعادة هندسة ديموغرافية واضحة المعالم في المدن والمحافظات العراقية والسورية التي يتم تحريرها من قبضة تنظيم داعش وتسكين مهجرين شيعة من باكستان وأفغانستان وإيران ومناطق عراقية أخرى بدلا من سكانها الأصليين السنة من أجل تهيئة المجال أمام خيارات التفكيك والانفصال في كل من العراق وسوريا بهدف تغيير موازين القوى الإقليمية وتعديل هياكلها لمصلحة إيران.
وخامسها سعي إيران بشتى الطرق إلى الضغط استراتيجيا على السعودية باعتبارها ركيزة الأمن الوطني لدول مجلس التعاون، وذلك عبر مخططات ومؤامرات تتخذ أنماطا مختلفة تبدأ من التوظيف السياسي للشعائر الدينية وتنفيذ مخططات فتنة واضطراب خلال موسم الحج الذي يجمع نحو 3 ملايين مسلم في الأراضي المقدسة بمكة والمدينة من أجل إحراج السعودية والسعي بكل الطرق لإفشال جهودها في تنظيم الحج من أجل تطبيق مخطط تدويل الأماكن الإسلامية المقدسة، وتأليب الشعب السعودي ضد بعضه البعض من خلال تدبير عمليات التفجير الطائفية والحوادث التي تسببت في مقتل المئات خلال مواسم الحج الماضية بهدف إضعاف قبضة المملكة أمنيا وتنظيميا وإحراجها إقليميا ودوليا.
وسادس مظاهر الخطر الإيراني يتمثل في مواصلة احتلال الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) والتعنت الشديد في رفض أيّ مقترحات تسوية سلمية تعرضها دولة الإمارات في مختلف المناسبات والمحافل، بما يعكس تصميم الجانب الإيراني على فرض إرادة الاحتلال على هذه الجزر التي تثبت الوثائق التاريخية كافة ملكيتها لدولة الإمارات العربية المتحدة في ما تواصل إيران ممارساتها الاحتلالية عليها، بما يتنافي مع مبادئ حسن الجوار والرغبة في التعايش السلمي بين الدول.
والأمر لم يقتصر على ذلك بل لجأ نظام طهران مؤخرا إلى الهروب من استحقاق الجزر الثلاث بترديد مزاعم لا أساس قانونيا أو تاريخيا لها، تتمثل في أحقية إيران المزعومة في جزيرتي “زاركوه”و”أريانا”في موقف يعكس تجذّر التهور والطيش في سلوكيات إيران.
سابع هذه المظاهر يكمن في امتلاك إيران آلة إعلامية جبارة مكونة من عشرات الفضائيات والصحف والمواقع والجيوش الإلكترونية التي تعمل على التحريض الطائفي وبث نار الفتنة المذهبية وإشعال الحرائق وتقويض دعائم الأمن والاستقرار في دول المنطقة.
وثامنا يأتي من حرص نظام إيران على إجراء المناورات والتدريبات واستعراض القوة العسكرية في مياه الخليج العربي بشكل دوري ينطوي على رسائل تهديد واضحة ومقصودة إلى دول الجوار بما يتنافي مع أيّ ادّعاءات حول الرغبة في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، فضلا عن الحرص على تطوير منظومات صاروخية تمثل خطرا داهما على دول مجلس التعاون كون معظم عناصر هذه المنظومات تنتمي إلى الطرازات قصيرة المدى التي تستهدف مدن دول مجلس التعاون بشكل معلن لكل متخصص أو مراقب موضوعي.
والأمر لا يقتصر على ذلك، بل هناك أيضا تهديد عقائدي طائفي يحمل شعارات تحريضية تستهدف توظيف المواطنين الشيعة في دول مجلس التعاون واستقطابهم لمصلحة الدعاية الإيرانية واستمالتهم عاطفيا لمصلحة المشروع الأيديولوجي الإيراني وتقويض ولاءات هؤلاء المواطنين لدولهم عبر آليات ومخططات مذهبية مختلفة وصولا إلى غرس بذور الفرقة والانشقاق في دول مجلس التعاون بما يسهل عملية الضغط استراتيجيا على هذه الدول.
وهناك أيضا التهديد الأمني بالاعتماد على كيانات شبه عسكرية مكونة من ميليشيات طائفية وعسكرة الشيعة في دول مثل العراق وتسليحهم وتمويل جماعات تعمل بالوكالة مثل جماعة الحوثي في اليمن وحزب الله اللبناني وغيرهما من التنظيمات التي تأتمر بأوامر المرشد الأعلى وتنفذ تعليماته التي ينقلها قادة الحرس الثوري.
وكذلك استغلال الجماعات الإرهابية السنية في تنفيذ المخطط التوسعي الإيراني عبر تمويل هذه الجماعات وتوفير المأوى لقادتها كما حدث مع تنظيم القاعدة من أجل اتخاذ هذه التنظيمات ذريعة للتدخل في دول الجوار السنية بدعوى حماية الشيعة والدفاع عنهم.
وهناك كذلك التهديد الاقتصادي الاستراتيجي فلا تكف إيران عن التهديد بإغلاق مضيق هرمز وتهديد الملاحة البحرية في هذا المضيق الحيوي الذي تمر عبره معظم صادرات النفط الخليجية إلى الخارج.
(هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع).
المصدر: العرب اللندنية