اليوم وبعد مرور عامٍ تقريباً على نشر هذه المقابلة باللغة الإنكليزية، قامت إيمان الأنصاري بترجمة هذا الحوار الهام إلى العربية، والذي يتحدث عن الفن والعمارة وما وراء التصميم في كثيرٍ من مشاريع فرانك غيري، ونظراً لكثافة معلوماته قررنا عرضه على شكل سلسلة نقدم لكم اليوم جزأها الأول:
تم تبني هذه المقاربة أيضاً في مشاريع عملنا عليها عالمياً. على سبيل المثال، أحد أسباب استخدامنا للتيتانيوم في متحف غوغنهايم في بيلباو كان الطريقة التي تفاعلت بها هذه المادة مع الضوء في المدينة. لم يكن ذلك قراراً طرازياً بحد ذاته. كما تعلم بيلباو مدينة ذات صناعاتٍ ثقيلة وفولاذ؛ وعلمنا نحن منذ البداية أن المبنى سيكون من مادة معدنٍ ثقيل سيتكلم عن الشخصية الصناعية للمكان.
لذلك نظرنا إلى الفولاذ وغيره من المواد لمدةٍ طويلة ولكننا لم نحب الطريقة التي تجاوبت بها تلك المواد مع الضوء. تمطر السماء في شمال إسبانيا كثيراً وأردنا مادةً تشع نوعاً من الدفء وتجلب السماء إلى المبنى.
لذلك هذا هو سبب قرارانا باستخدام التيتانيوم في المبنى. في أماكن أخرى استخدمنا أنواعاً أخرى من المواد.فالأمرحقيقةً يعتمد على مكان المشروع. ولكن فكرة استخدام المواد وتجاوبها مع الضوء أمرٌ هام للغاية وأعتقد أننا طورنا حساسيتنا تجاه ذلك من لوس أنجلس.
الجانب الثاني هو خاصية قلة الإثارة في المدينة بمعنى آخر؛ عندما يزور الناس لوس أنجلس خاصةُ الأوروبيون يلاحظون نوعاً مختلفاً تماماً من المدن عن المدينة التقليدية؛ جزءٌ من خاصية “عدم الإثارة” هذه. ولكن في الوقت نفسه هناك جمال ٌفي “عدم الإثارة”، إذاً كيف يمكنك إلتقاط هذه الخاصية؟ وكيف تجلب ذلك إلى إدراك الناس؟ فالناس في أغلب الأحيان ينكرون هذا الواقع. يتحدث فرانك عن ذلك أيضاً، وهذه هي الطريقة التي توصلنا بها إلى السور ذي الشكل المشابه للسلسلة؛ إنها مادةٌ يستخدمها الناس في ساحاتهم الأمامية طوال الوقت ولكن عندما تستخدمها أنت كعمارة يبدأ الناس بمسآلتها. إذاً الأمر يتعلق بإظهار تلك الأنواع من القيم والتركيز عليها. بشكلٍ أو بآخر إنها مثلDuchamp، تعلم، لأنها جزء من نوعٍ من الحساسية القادمة من الفن الحديث: إعطاء قيمةٍ للأشياء الاعتيادية أو التأكيد على جمال الاعتيادية (أو عدم الإثارة).
إ.ت: هذا صحيح وجزءٌ من هذا له علاقة بثقافة الإنشاء في الساحل الغربي واستخدام أطر الخشب 2X4 مع المعدن مموج المقاطع (الصفيح). كما أن هناك جانباً غير مكتمل من المبنى وهو أحد خصائص عمل فرانك المبكر. ولكن أعتقد أن هذا المشروع هام لأنه جزءٌ من مشهد الشارع. فالمبنى من الأمام يمتلك قطعةً أخفض تتعلق بمقياس الشارع والمباني المجاورة وهناك قطعة ثانية في الخلف أطول.لذلك هناك دائماً في عمل فرانك المبكر فكرة كسر المبنى إلى قطعٍ أصغر كطريقة للتعامل مع المقياس. كما يمكنك رؤية أن هذا النوع من المقياس والجمالية متلائم جداً مع مباني أخرى في فينس،كاليفورنيا. لذلك هناك شخصية صناعية فيها تجعلها تتلاءم بشكلٍ صحيح.
إ.ت: الفن مثير للاهتمام لأنك إذا جلست مع أي معماري أعرفه سيخبرك أنه مهتم بالفن. ولا يمكنني أن أتخيل معمارياً واحداً سيخبرك أنه غير مهتم بالفن. لذلك بشكل أو آخر أعتبر الأمر نمطياً ومكرراً أن أقول ذلك. مع أنني يجب أن أقول أنني أكثر ميلاً للبصرية لأن عيوني تطورت بشكلٍ أفضل من آذاني. في المشاريع التي عملت عليها ابتعدت لأطول فترةٍ ممكنة عن صالات الحفلات واهتممت أكثر بالمتاحف؛ لذلك الفن بالنسبة لي بصري. ولكنني أعتقد اليوم أن الجيل الأصغر من الفنانين يعمل بطرقٍ متعددة المبادئ والمناهج؛ الأمر الذي أجده أيضاً مثيراً للاهتمام. أكن إعجاباً للفنانين الذين يعملون بوسائل تقليدية، ولكنني أعتقد أنني مهتمٌ أكثر بالفنانين الذين يعملون بأنواع مختلفة من الوسائل. وبالرغم من أنني قلت أنني مهتمٌ بالفن، إلا إنني لم أتخيل نفسي يوماً نحاتاً أو رساماً؛ ألتقط الصور الفوتوغرافية ولكنني لا أمتلك الصبر لأرسم أو أنحت. أعتقد أن الفن بالنسبة لي هو حوارٌ مع الفنان المثير للاهتمام؛ لأن المسائل التي تهم الفنانين هي بشكل أو آخر أكثر حسية وأقل نظرية. لذلك فإن النقاشات التي تقوم بها مع فنان حول العملية الإبداعية تكون عادةً مواضيع من نوعٍ مختلف، وهذا ما يهمني ويثير حماستي.
إ.أ: أي أنك بهذا المعنى تعتبر العمارة وسيلةً أخرى للفن؟
إ.ت: لن أعرّف الأمر بهذه الطريقة. أعتقد أننا بمعنى ما مشتركون في نوعٍ من المشروع الإبداعي وأعتقد أن العمارة هي نوعٌ من عدة أنواع من المشاريع الإبداعية المختلفة. أتردد في عنونته لأنني لا أعتقد أنه من الصحي التفكير فيها بتلك الطريقة. الأمر فقط أنه في العمارة يصدف أن تكون الوسيلة التي نختارها للتعبير عن تلك الأفكار هي البيئة المبنية، في حين ربما قد يكون قد اختار الفنان وسيلةً أخرى لاستكشاف المجموعة ذاتها من الأفكار.
إ.ت: تم تصميم البناء وقتها لأجل شركة الدعاية والإعلان Chiat/Day/Mojo ولكن اليوم تملكه غوغل كجزء من توسع حرمهم في لوس أنجلس. كان جيه تشيات صديق عمر لفرانك وأراد مبنىً يشجع على الإبداع. لذلك وبالعودة إلى سؤالك؛ هل هذا عمارة أم هذا فن؟ بالطبع كان المنظار نتيجة التعاون بين فرانك وكليس الذي كان أحد فناني الفن الشعبي (pop art) الهامين في زمانه منذ بداية الستينيات. واعتبر العديد من الناس المبنى نوعاً من العمارة الشعبية(pop architecture) مع وجود المنظار. ولكني أحب أن أعتبرها نوعاً من رد الفعل العمراني.
عندما تبني أي شيء في فينس، كاليفورنيا يكون لديك حد ارتفاع يبلغ 30 قدماً، لذلك تفكر بالمبنى ضمن علاقته مع الشارع؛ ما الذي ستفعله للتعامل مع الشارع؟ كما يجب عليك أن تتذكر أن هذا المبنى بني في الثمانينيات عندما كان موضوع العمارة حينها عمارة ما بعد الحداثة، وحيث كان لديك أشخاص مثل مايكل غريفز كانوا يصممون واجهات كتلك بشكلٍ مسطح ثنائي البعد. لذلك عندما أفترض_وهذا مجرد تخمين_ أن مقابل والبديل عن صنع واجهة مسطحة هو صنع واجهة تخاطب الشارع مع سلسلة من الأجسام أو المنحوتات التي تمتلك بعداً ثالثاً.
إ.أ: يبدو المبنى بالفعل وكأنه يمكن أن يكون ثلاثة أو أربعة أنواع من المباني وحتى أن يكون عدة معماريين قد صمموه. ولكن الأمر المثير للاهتمام بالنسبة لي هنا أيضاً هو كسر المقياس. لأنه وبأخذ أمر حد الارتفاع بثلاثين قدم بعين الاعتبار إذا كنت تريد تحقيق تعبيرٍ صرحي ستبدو واجهة الشارع الخاصة بالمبنى منخفضة وطويلة جداً.
إ.ت: الطريقة الأخرى للتفكير بالأمر هي أنه بالنسبة لجيه تشيات كان هناك متطلبات برنامجية مختلفة أخرى لذلك كانت الفكرة أن كل عنصر هنا سيعبّر عن بعض جوانب برنامج الوكالة من خلال التعبير عن نوع الفراغات في الداخل. إذ يوجد حتى ضمن المنظار غرف اجتماعات وهم بالفعل يستخدمون الفراغ الداخلي للمنظار. وعندما تنظر إلى القسم الخلفي من المبنى تجد أن لديه تعبيره الخاص مع وجود النوافذ المثقبة.
إ.أ: هل تقترح أن المنظار ليس مجرد منحوتة أو فن بل هو بالفعل عمارة؟
إ.ت: حسناً، هذا نوعٌ مختلفٌ من المواضيع ويعتمد على الذين تحدثهم. ولكن دعنا فقط نقول أنه مسكونٌ فراغياً ومستخدم بعدة طرق. لذلك يوجد في الجناح الأيسر مكاتب تمتلك وظيفةً مختلفة عن المكاتب في الجناح الأيمن، وفي الوسط حيث المدخل مباشرةً توجد غرف اجتماعات، وداخل المنظار توجد لديك غرف الاجتماعات الأكثر خصوصية. إذاً لا يوجد هناك فقط قطعٌ نحتية وإنما بطريقةٍ ما تعرض طبيعةً مختلفة لاستخدمها ومتطلباتها الفراغية. وبالطبع يريد كل زبون فراغاً أكبر داخل مبناه بغض النظر عن وظيفتهم. لذلك من خلال التعبير عن قطع المبنى بهذا التنوع يخلق المبنى فرادتها ضمن تجانس البرنامج الوظيفي كاملاً.
تم عرض أعماله ونشر كتاباته بشكلٍ واسع في الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا والشرق الأوسط.