من أحدث الكتب التي أصدرت مؤخراً كتاب للكاتب الساخر المصري عمر طاهر حمل عنوان ” كتاب المواصلات” وألحق بعنوان آخر وهو ” حكايات شخصية لقتل الوقت”، ومن المعروف أن “طاهر” يتمتع بشعبية كبيرة وخاصة لدي أجيال الشباب من السن الجامعي وحتى الأربعين لذلك استطاع الكتاب منذ صدوره تحقيق نسب مبيعات مرتفعة واستحوذ على اهتمام الكثيرين.
كتاب للقراءة في المواصلات العامة
وفي هذا الكتاب يقرر عمر طاهر منذ البداية أن يكون الكتاب رفيق للقراء في إحدى المواصلات العامة ليساعدهم على قتل الوقت والملل في مشوارهم إيماناً من “طاهر ” بأن الحكايات تجعل الرحلة أمتع، وهذا ما قررت أن تفعله كاتبة هذه السطور فقررت أن أعيش التجربة كاملة كما أرادها الكاتب فاصطحبت الكتاب معي في إحدي المواصلات العامة (القطار) في طريقي للسفر من إحدي المدن إلى الأخرى.
كانت الأجواء المحيطة لا تساعد على القراءة فباعة جائلين وحديث جانبي من هنا أو هناك وأصوات متداخلة وأغنية حديثة لعمرو دياب تصعد من أحد الهواتف النقالة كل بضع دقائق فتثير انتباهي وأطفال صغار يتقافزون على المقاعد حولي، وأحياناً شجارات خفيفية بين بعض الركاب وبعضهم تنتهي غالباً بجملتين لا ثالث لهما ” حصل خير” أو ” بلد بقت تقرف” لكنني قررت أن أخوض التجربة كاملة ولا أستسلم.
الإهداء
في البداية لفتني الإهداء فالكاتب والذي وضح من الإهداء أنه كان أحد ركاب المواصلات العامة بشكل دائم أهدى كتابه لمن ساعدوه في قتل ساعات الوقت وشاركوه رحلاته الطويلة في المواصلات العامة وساعدوه على أن تكون الرحلات ألطف وهم كتاب الكتب التي كانت دائماً يقرأها في رحلاته كبهاء طاهر وإبراهيم أصلان و خيري شلبي ونجيب محفوظ وغيرهم، كما تضمن الإهداء أصوات المطربين والموسيقين الذي شاركوه الرحلات أيضاً كشادية وفيروز وبليغ حمدي ووردة والنقشبندي وغيرهم.
محتويات الكتاب
الكتاب كما جاء في وصفه على غلافه في العنوان الثانب بأنه حكايات شخصية وهو بالفعل نستطيع أن نعتبره مجموعة من القصص والمواقف الشخصية والأفكار للكاتب سردها بشكل قصصي شديد العذوبة، فقد تضمن الكتاب نحو 28 قصة قصيرة أو حكاية شخصية كما وصفها الكاتب، تنوعت ما بين حكايته مع بعض الأغنيات ومعاناته مع بعض المشكلات كإرتفاع الأسعار المبالغ فيه في الوقت الحالي، أو حتى ممارساته لسلطته الأبوية مع بنتيه أو حتى بعض العبارات الغير مستحبة التي يسمعها من الآخرين عندما يعلمون أنه أب لابنتين، وحتى صراعاته مع البذاءة التي تكمن داخل كل فرد منا وسرده بأسلوب شيق أن لكل شخص جانب بذىء لأنه يختار مع من يصلح أن تكون البذائة حتى أنه أختار تعبيراً شديد التميز وهو أن:
” البذاءة تشبه الأندر وير، هناك من لا يمانع في النزول إلى الشارع بالأندروير وهناك من يحتاج لظروف خاصة وشروط صعبة حتى يفرج عن أندر ويره”.
الحياة داخل ملف word
كما يشاركنا الكاتب همومه مع الكتابة في قصة ” الحياة داخل فايل word” فيشرح لنا مأساة الكاتب الذي دائماً ما يطارد الأفكار ويبحث عنها وان كل الأمور تصلح لأن تكتب كقصة ويرى في أى شىء وفي كل شىء موضوع مثير للكتابة وأحياناً لا يجد ما يكتب عنه غير أنه لا يكف عن التفكير طوال الوقت وأوضح لنا “طاهر ” أن الكتابة هي المهنة الوحيدة التي لا يحصل المشتغلون بها على إجازة، كما يشرح لنا مأساة من تختار كاتباً شريكاً لحياتها فإنها تقضي حياتها مع شخص دائم التأمل وهو وحده من يحدد متى يتحدث وفيما يتحدث أو على حد تعبير زوجته عايش داخل فايل word .
ويقف ” طاهر” على الكثير من المواقف التي جمعته بالمواصلات العامة وراكبها في بعض القصص وكيف كانت الأغنيات – والتي يتضح جلياً من الكتاب حب طاهر للفن والطرب والموسيقي بشكل عام – رفيقاً جيداً له ولأصدقائه حتى أنها كانت تساعده على التجلي كما كان يفعل صوت فايزة أحمد فيجعله كل دقيقة يردد الله على العكس من أصوات دعاة منفرين بأصوات إفتعالية تدعي البكاء والتأثر كما حدث معه في رحلة في إحدى المواصلات.
مرح
ويقف “طاهر” في إحدى القصص ليحكي لنا عن جرو صغير ظهر في الحى الذي يسكن به فجأة وكيف كان هذا الجرو مصدر فرح ومرح لسكان الحى وللمارين به فيحكي لنا عمر طاهر عن اختلاف هذا الجرو وطريقته المختلفة في تناول الطعام وطريقتة في إضحكاك المارة وطمئنة الفتيات وكيف اختفى هذا الجرو فجأة من الحي فأثار تساؤلات السكان لغيابه وكيف عاد ثانية بعد أن كسرت ساقه وينهي طاهر القصة بعبارة بليغة حكيمة وهي أن عودة الجرو للحياة التي يحبها لم تكن سهلة أبداً، فكأنه يريد أن يرسل لقرائه رسالة بأن ما نريد أن نحصل عليه لن نحصل عليه إلا بعد أن تكسر ساقنا أو نتألم كثيراً كما تألم الجرو.
ما بين نسختين من جمعة الشوان
ويحكي لنا “طاهر” أيضاً في إحدى قصصه عن كيف كان مفتوناً بعادل إمام في المسلسل الدرامي الذي يحكي عن قصة البطل جمعة الشوان وكيف أصر أن يحصل على قميصاً كالذي كان يرتديه “إمام” في المسلسل وكيف أثر به هذا النجم كثيراً والشخصية التي قام بأدائها حتى أنه حينما أصبح كاتباً صحفياً قابل البطل الحقيقى ” جمعة الشوان” وجعله يسرد له الحقيقة التي لم يستطع المسلسل سردها كاملة كما سأله السؤال الذي لطالما حيره وحير الكثير من المتابعين عن الجهاز الدقيق الذي استطاع أن يحصل عليه من الموساد وكشف له ” الشوان” أن الجهاز هو جهاز ” تليفون نقال” فقبل انتشار التليفونات النقالة كان هو الحدث الجلل في هذا الوقت وكان يستخدم في أعمال الجاسوسية.
بين قوسين
غير أن ما أثر في كاتبة هذه السطور بشكل كبير وجعلها تزرف الدمعات هي رسالة الفنان محمد فوزي للجماهير والتي سبقت وفاته مباشرة والتي يشكر فيها جمهوره على دعمه والدعاء له ويعلمهم بميعاد وفاته والذي حدث كما ذكر تحديداً، والتي ذكرها طاهر ضمن القصة التي حمت عنوان “بين قوسين” والذي تحدث خلالها عن إثنين من ألمع الأسماء في تاريخ الإعلام والفن المصري وهما ” محمد فوزي” الموسيقار والمطرب المميز و” محمد لطيف” أول الملعقين الرياضيين ودارت القصة عن شكر رجال الأمن والسياسة فقد كان الجميع يلوم “فوزي” أنه لا يغني لعبدالناصر ورجال الثورة ويلوم “لطيف” أنه يكثر من شكر رجال الأمن ومجهوداتهم في المباراة وكيف أنقذ شكر لطيف لرجال الأمن سير المباريات وكيف كان التجاهل من قبل فوزي لرجال الأمن ورجال الثورة والغناء للشخصيات سبباً في تأميم شركته الخاصة الأمر الذي تسبب في إنهياره وإصابته بمرض قاس توفى على إثره فقد جاءت رسالته الآخيرة كما ذكرها “طاهر” على النحو التالي:
” إن الموت علينا حق .. إذا لم نمت اليوم فسنموت غداً، وأحمد الله أننى مؤمن بربي فلا أخاف الموت الذي قد يريحني من هذه الآلام التي أعانيها فقد أديت واجبي نحو بلدي، وكنت أتمنى أن أؤدي الكثير، ولكن إرادة الله فوق كل إرادة، والأعمار بيد الله لن يطلها الطب، ولكني لجأت إلى العلاج حتى لا أكون مقصراً في حق نفسي وفي حق مستقبل أولادي الذين لا يزالون يطلبون العلم في القاهرة، تحياتي إلى كل إنسان أحبني ورفع يده إلى السماء من أجلي، .. تحياتي لكل طفل أسعدته ألحاني، .. تحياتي لبلدي .. وأخيراً تحياتي لأولادي وأسرتي، لا أريد أن أدفن اليوم، أريد أن تكون جنازتي غداً الساعة 11 صباحاً من ميدان التحرير، فأنا أريد أن أدفن يوم الجمعة”
وذكر عمر طاهر أن “فوزي” يتمتع برؤية شفافة للموت حيث أنه رحل كما ذكر في رسالته.
خليكوا شاهدين
وما جعل دمعاتي تسقط كذلك ماذكره “طاهر” في القصة التي حملت عنوان “خليكوا شاهدين” عن حالة الفنانة ” فايزة أحمد” وكيف استعانت بالغناء على مقاومة أنين المرض في مشهد شديد الرقي والعذوبة وهي تمسك بيد زوجها الموسيقار” محمد سلطان” وتغني من أجل أن تقاوم الألم الذي لا تستطيع تحمله.
كما يحكي طاهر عن الخوف من الشيخوخة وظهور الشعر الأبيض وهذا الهاجس لدى بعض اصدقائه بطريقة كوميدية ساخرة لا تخلو من رقة وانسانية انتزعت ضحكاتي كما انتزعت ضحكاتي أيضاً بعض مواقفه في الملاعب في قصة ” كل الناس بيقولوا يارب” والذي يتضح من خلالها انتماء الكاتب الرياضي كما يتضح من خلال الكثير من حكايات الكتاب الأخرى.
هل ناجح الكاتب فيما أراده من الكتاب؟
وجدير بالذكر اننى قمت بقراءة بعض الحكايات التي أوردها الكاتب في هذا الكتاب مسبقاً في بعض منشوراته على صفحته الشخصية على موقع فيس بوك أو في بعض مقالاته التي نشرها في عدة صحف مختلفة.
والحقيقة أن ” عمر طاهر” نجح في ما أراده من هذا الكتاب حيث أراد بالكتاب أن يساعد في قتل الممل والوقت الذي يصيب ركاب المواصلات العامة وأن يجعل الرحلة أمتع وهو بالفعل ما حدث معي فاستطاع الكتاب أن ينتزع ضحكاتي في بعض الحكايات ويثير دمعاتي في حكايات أخرى حتى أنني لم انتبه لتعطل القطار لأكثر من ساعة والوقت الذي استغرقته الرحلة إلا عندما شاهدت الجميع يقفون ليجمعوا أغراضهم ليستعدوا للنزول.
عمر طاهر
وجدير بالذكر أن عمر طاهر كاتب مصري شاب من مواليد السبعينات، ولد في إحدى محافظات صعيد مصر وانتقل للعاصمة للدراسة الجامعة، احترف الكتابة في مجلة نصف الدنيا في بدايات حياته الصحفية، صدر له الكثير من الكتب منها :
- صنايعية مصر … مشاهد من حياة بعض بناة مصر في العصر الحديث.
- أثر النبي … قصص قصيرة من وحي السيرة.
- إذاعة الأغاني … سيرة شخصية للغناء.
- شركة النشا والجولوكوز … نص مفتوح.
- شكلها باظت … ألبوم إجتماعي ساخر.
- ابن عبدالحميد الترزي … ألبوم سينمائي ساخر.
- زملكاوي … ألبوم مئوية جماهير الزمالك.
- جر ناعم … ألبوم القصص والشعر.
- رصف مصر … ألبوم ساخر مصور.
- الكلاب لا تأكل الشيكولاتة … حواديت برمة.
كما قام بترجمة رواية بالقرب من نهر بيدرا جلست وبكيت للكاتب البرازيلي باولوا كويلو.
أفلامه
وكتب للسينما المصرية الكثير من الأفلام الناجحة منها:
- نظرية عمتي.
- يوم ملوش لازمة.
- طير إنت.
- كابتن مصر.
مطربين تعاون معهم
وكتب بعض الأغنيات لعدد من المطربين منهم:
- رامي صبري.
- أصالة.
- أحمد سعد.
- سعاد ماسي.
- أحمد عدوية.
- فريق كايروكي.
- محمد عساف.
- عزيز الشافعي.
- مصطفي قمر.
- فيروز كراوية.
- محمد رحيم.
برامجه
كما قدم بعض البرامج الإذاعية منها:
- واحد صاحبي.
- الطريق إلى عابدين.
- شفت ربنا.
وبعض البرامج التليفزيونية منها:
- كلام جرايد
- مصري أصلي
- اتجنن
- وصفولي الصبر.
ومن أكثر أعماله المميزة للأطفال مسلسل الرسوم المتحركة سوبر هنيدي.