مهرجان القاهرة لسينما المرأة: عشر سنوات من السينما النسوية
في بيت المخرجة أمل رمسيس أكوام من أسطوانات الفيديو والملصقات في كل مكان. أناس يجيئون ويذهبون، والهاتف لا يتوقف عن الرنين. تتحول شقة وسط البلد بالقاهرة بصفة مؤقتة
إلى مقرٍ لـ«مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة»، والذي بدأ من 4 مارس ويستمر حتى غدًا السبت.
هذه السنة زاخرة على نحوٍ خاص، بسبب احتفال المهرجان بعيده العاشر. ينتاب رمسيس ذات الخمسة وأربعين عامًا قلق وترقب، وقد طورت المهرجان من محوره الإقليمي ومكان عرضه الأوحد إلى مهرجان دولي يمتد عبر العديد من شاشات العرض.
كنت بلا عمل في عام 2013، أبحث عن فرصة للعمل في مشروع مرتبط بالسينما، انضممت إلى فريق تنظيم المهرجان الصغير. كنا نحو أربع أو خمس سيدات تحت إشراف رمسيس، وتؤدي كل منا مهامًا متعددة. وباعتباري عضوًا سابقًا في الفريق، جلست مع رمسيس الأسبوع الماضي لأعرف أكثر عن رحلة المهرجان التي بدأت في الحقيقة مع رحلة مؤسسته نفسها.
بدأ اهتمام رمسيس بالسينما عندما افتُتحت في منطقتها سينما مدينة نصر الصيفية لتصبح نافذتها على العالم وهي طفلة. رغم رغبتها في ممارسة السينما، إلا أن والديها أقنعاها بدراسة القانون. فمثلهما مثل العديد من العائلات المصرية، لم يريا في صناعة السينما مستقبلًا آمنًا لها. ومع أن رمسيس أحبت دراستها للحقوق، لكنها وجدت الواقع بعد التخرج بعيدًا كل البعد عن المفاهيم الرومانسية التي تخيلتها عن الدفاع عن الفقراء والقضايا الصعبة.
بعد عشر سنوات من العمل في الصحف والنشر وحتى في مصنع نسيج، قررت رمسيس في عام 2001 أن الوقت قد حان لإعطاء السينما الأولوية، خصوصًا بعد العمل كمساعدة في الإخراج في العديد من المشاريع الوثائقية مع المخرجة والصديقة عرب لطفي.
حصلت على منحة من وزارة الخارجية الإسبانية لدراسة السينما لمدة ثلاث سنوات في مدريد، حيث واتتها الفرصة للتعرف أكثر على سينما أمريكا اللاتينية، وكانت تصنع أفلامها الخاصة أثناء دراستها.
خطرت فكرة المهرجان على بال رمسيس مع أول أفلامها، «بس أحلام» (2005)، وهو وثائقي صنعته أثناء دراستها، وتحكي فيه نساء عن مواضيع أحلامهن خلال النوم. شارك الفيلم في مهرجانٍ في كوبا يركز على الأفلام محدودة الميزانية. وهناك أدركت رمسيس أمرين: أن أفلام أمريكا اللاتينية قلما تُعرض في مصر، وأن فيلمها كان الفيلم العربي الوحيد في المهرجان. أخبرتني رمسيس أن «لم يكن هذا لأنه أفضل فيلم، بل لأنه كان مصحوبًا بترجمة بالإسبانية.»
كان ذلك الدافع لتأسيس مهرجان سينما المرأة العربية والأيبيرية، وهو مهرجان يعرض أفلامًا عربية وأمريكية لاتينية ويتيح منصة للمخرجات. كانت السفارة الإسبانية بالقاهرة أول من دعم المهرجان ماديًا، وانضمّت إلى الممولين لاحقًا سفارات أخرى، أوروبية وأمريكية لاتينية، مع عدد من المراكز الثقافية بالقاهرة.
ترى رمسيس أن المهرجان يبرز خطوطًا متوازية بين المنطقتين، حيث توجد بينهما «أوجه تشابه سياسية واجتماعية واقتصادية، وإن كانت لا تتقاطع أبدًا. » تعطينا مثالًا من نقاش دار عام 2010 بعد عرض وثائقي باولا رودريجيز «أطفال بينوشيه» (Pinochet’s Children) عن الحركة الطلابية في تشيلي بعد خلع الدكتاتور العسكري أوجوست بينوشيه عن السلطة ديمقراطيًا.
تقول: «أخذ الجمهور يقارن نفسه بتشيلي ويتساءل ماذا كان سيحدث لو رحل مبارك، مقارنًا الأحزاب السياسية في تشيلي في ذلك الوقت بالأحزاب في مصر. يجعلك ذلك تدرك مدى تشابه وضعنا في العالم العربي مع بلد مثل تشيلي.»
لكن مع الوقت صارت المرأة الجانب الأهم في المبادرة؛ وجدت رمسيس أن تواجد المخرجات في المهرجانات محدود مقارنة بنظرائهن من الرجال. افتتح المهرجان محوره الإقليمي ليصبح مهرجانًا دوليًا عام 2013، وتغير اسمه ليصبح «مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة». ومع ذلك استمر المهرجان في تقديم قسم خاص للأفلام من العالم العربي وأمريكا اللاتينية تحت عنوان «قافلة سينما المرأة العربية واللاتينية» وعلى مدار عشر سنوات تجولت القافلة أكثر من 45 مرة في العالم العربي وأمريكا اللاتينية، من خلال مهرجانات مصغرة تعرض من ستة إلى سبعة أفلام في المرة الواحدة.
Cairo In Women’s film fest
تقول رمسيس: «عندما بدأنا ظن الناس أنهم سيشاهدون أفلامًا عن العنف تجاه المرأة، وكأن هذا هو الموضوع الوحيد الذي تتناوله المخرجات.» أرادت أن تبين أن النساء يقدمن منظورًا فنيًا لكل المواضيع.
العديد من المخرجات المشاركات ترددن مقولة رمسيس. تقول ثريس آنا، المخرجة الهولندية والفائز فيلمها «مدينة صامتة» (Silent City) بجائزة الجمهور في المهرجان عام 2013، إن صناعة الأفلام ما زالت «صناعة يهيمن عليها الرجال» بالرغم من زيادة عدد المخرجات.
وترى المخرجة الفلسطينية وفاء جميل، وقد عرض فيلمها «قهوة لكل الأمم» في دورة العام الماضي، أهمية أن يعمل الرجال والنساء في الصناعة جنبًا إلى جنب، لكنها تثمّن فرصة عرض الأفلام حصريًا من منظور نسائي.
ومع أن المخرجة المصرية هالة لطفي لا تحبّذ المبادرات التي تصنف الأفلام طبقًا للنوع أو العرق—وكثيرًا ما يوجه هذا النقد إلى المهرجان—إلا أنها تقول إن هذا المهرجان الوحيد الذي شاركت فيه من بين مهرجانات سينما المرأة. عُرضت أفلام لطفي في دورتين سابقتين، ويُعرض لها هذا العام فيلم «عن الشعور بالبرودة» (2008) ضمن برنامج الاحتفال بأفضل أفلام الدورات السابقة. تقول إنه جسر حقيقي بين الثقافات، ورغم تركيزه على المخرجات، إلا أن الأفلام لا تقتصر أبدًا على «مواضيع المرأة».
ترى رمسيس أن المهرجان نجح في جذب الناس في المقام الأول لأن كل الأفلام مصحوبة بترجمة بالعربية، ولأن العروض مجانية وتحضرها المخرجات عادة للمشاركة في النقاش بعد الفيلم.
ومع انفتاح المهرجان على الأفلام من خارج العالم العربي وأمريكا اللاتينية عام 2013، اتسع نطاقه بعد أن كان عدد الأفلام المختارة نحو عشرين فيلمًا تعرض في مكان واحد وهو مركز الإبداع الفني في دار الأوبرا بالقاهرة. ولاستعياب عدد أكبر من المشاهدين، ضمت رمسيس أماكن عرض مثل مسرح الفلكي ومعهد جوته الألماني. لكن هذا التوسع تزامن مع شهور شهدت اضطرابات سياسية أدت لإلغاء العديد من المهرجانات في ذلك العام.
قررت رمسيس إقامة المهرجان في وقت لاحق من نفس العام، في شهر نوفمبر، ومباشرة بعد رفع الحظر الذي دام ثلاثة أشهر. تقول: «كانت مجازفة. لم يكن ذلك أفضل وقت، لكننا قررنا أنك في الأزمات إما تنسحب أو تصبح أقوى.»
تقول إن الحضور الكبير كان مذهلًا. «تكبد الناس عناء عبور نقاط التفتيش والأمن لرؤية فيلم. يجعلك ذلك تدرك أهمية السينما للناس.»
ترغب رمسيس في المشاركة في الحركة التي بدأت مؤخرًا لتفكيك مركزية الأفلام البديلة خارج العاصمة، وتقودها سينما «زاوية» و«سينيدلتا» للأفلام الوثائقية و«سينما في كل مكان» بالإسكندرية.
ضمن القسم التعليمي في المهرجان أقيمت ورشة لمدة أربعة أيام في قرية نصر النوبة بأسوان في شهر ديسمبر. تعلمت 19 سيدة، لم تحمل أي منهن كاميرا من قبل، العمل سويًا لحكي قصص تهمُّ كلًا منهن، في فيلم مدته دقيقة واحدة. وستعرض أفلام المشاركات في المهرجان.
تقول رمسيس إن قلة المعدات خارج المدن الكبرى جعلت المهرجان غير قادر حتى الآن على إقامة عروض خارج القاهرة سوى القليل منها، مثلما حدث في 2015 بالإسكندرية والمنيا، بالشراكة مع مدرسة الجزويت للسينما، وفي أسيوط بمساعدة منظمة «العدالة والسلامة» المحلية غير الهادفة للربح.
تضيف رمسيس قائلة: «القاهرة بها كل شيء، لكن خارجها الخيارات محدودة وهناك حاجة إلى الاحتكاك بأشكال مختلفة من الوسائط تقدم صورًا وأحلامًا مختلفة. السينما لا تكون سينما إذا لم يرْوِها الناس.»
يقام مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة من 4-9 مارس. تجدون البرنامج الكامل هنا. اقترحت هذا المقال وحررته روان الشيمي.
راندا علي
ترجمة: أميرة المصري
المصدر: مدى مصر
I’m a #Trainer , #Web_designer & #Social_Media_Specialist ...