رؤية مختلفة للأحداث !

كل هذا الفساد في “سينمائيات” الملالي

0
03cb6bfd286d41238cd240f9a8b12331منذ تخلوا تقريباً عن الأفلام التي تعطي الأدوار الأولى للأطفال، أو تدور حول البطولات في الحروب الوطنية (بشكل خاص منذ أفلام أصغر فرهادي الأولى)، بات واضحا أن السينمائيين

الإيرانيين يحبون النهايات المفتوحة، سواء على بعد حدثي أو أخلاقي أو حتى جماليّ. ولعل أفضل ما في فيلم «رجل نزيه» لمحمد رسولوف، المعروض في تظاهرة «نظرة ما» ضمن إطار الدورة السبعين لمهرجان «كان»، هو نهايته المفتوحة، وإن كانت غير مفتوحة على النحو الذي يميز عادة أفلاماً قوية تعتمد مثل هذه النهايات.
وسواء كان «رجل نزيه» فيلماً قوياً أو متوسط الجودة، وفيه ما يقترح التصنيفين على أي حال، يمكن اعتباره فيلماً كاشفاً، بل حتى في منتهى الجرأة بالمقاييس الرقابية الإيرانية. وهو في هذا يتساوى مع فيلم سابق لرسولوف نفسه عرض في التظاهرة ذاتها في «كان»، بعدما هُرّبت نسخته من الداخل الإيراني. يومها تسبب الفيلم، وعنوانه «المخطوط لا يحترق»، بوضع رسولوف في السجن. كانت إيران يومذاك تحت حكم أحمدي نجاد ورعاية الحرس الثوري. اليوم قد لا تكون الفوارق كبيرة، ولكن، في مجال السينما قد ينفذ المبدع بجلده. وربما بالتحديد لأن «رجل نزيه» يقول لنا ببساطة لماذا اقترع معظم الناخبين الإيرانيين لمصلحة المعتدل حسن روحاني، كما فعلوا قبل يومين للمرة الثانية، فالفيلم يتحدث بالتحديد عن الفساد في «إمبراطورية» الملالي… ونعرف أن مقارعة هذا الفساد واحد من الأسلحة التي يشن بها روحاني حربه الداخلية.
موضوعة الفساد، ولو بشكل موارب، تهيمن على الكثير من الأفلام الإيرانية. نجدها لدى فرهادي، كما لدى باناهي، وتخمينة ميلاني، ورخشان بني اعتماد… وغيرهم. لكن ما يسمى عادة بـ «المكر الإيراني»، عرف كيف يستفيد من تلك المواربة متحايلاً على الرقابة بشكل أو بآخر. لكن هذه، ويا للغرابة! ليست حال رسولوف، هو الذي لم يتمكن حتى السجن من ردعه. من هنا، ومن دون أن يجد المرء نفسه أمام فيلم يحمل القيم والميزات التي تضعه في مصاف السينما الإيرانية التي أثبتت حضوراً باهراً في العالم كله خلال السنوات الماضية، يبرز الإحساس بأننا أمام فيلم غاضب، وغاضب حقاً من طريق بطله رضا الذي اصطحب زوجته هاديس وطفلهما من المدينة إلى الريف حيث عُيّنت هي مديرة لمدرسة البلدة فيما أسس هو مزرعة لتربية الأسماك في المياه الحلوة. كان يمكن الأمور أن تسير معهما بشكل جيّد، لولا وجود «شركة» تنتمي إلى القطاع الخاص لكنها ذات امتدادات في السلطات المحلية ورجال الدين وتملكها عائلة «مافيوزية» تسيّر الأمور على هواها. كان من الصعب على رضا أن يفهم أن عليه أولاً أن يتفق مع الـ «العائلة» وشركتها. ومن هنا بدأت المشكلات في وجهه: حيناً تقطع المياه عنه فيَنْفَقَ سمكُه. وحيناً يهدَّد ويرمى في السجن. وحيناً يرغم على بيع مشروعه والرحيل. وأثناء تصديه لهذا كله يُحرق بيته فـ»العائلة» لا تمزح. هي السلطة هنا وما تقرره ينفّذ.
لكن رضا ليس ضعيفاً. بل هو يجابه، على طريقته: الشرّ بالشرّ، ولكن بعد لحظات تفكير عميقة ميتافيزيقية السمات، ينفرد فيها إلى ذاته في مغارة حيث يتناول مشروباً محرّماً يصنعه بنفسه. إنه رجل نزيه، كما يقول عنوان الفيلم، لكن نزاهته نسبية… ومن هنا سينتهي به الأمر، إذ تعجز «العائلة» والسلطة عن قهره، وإذ رأوا مقدار صلابته، إلى أن يُقترح عليه أن يصبح عمدة البلدة مكان ذاك الذي تسبب هو في رحيله. هنا لن نعرف ماذا سيكون اختياره، لا سيما أن الفيلم ينتهي وهو في مغارة وحدته ينتحب!
هل يقترح علينا الفيلم أن الانخراط في الفساد هو الإمكان الوحيد لمجابهة إمبراطورية الملالي؟ هل يقترح أن الإيقاع «ظلماً» بالخصم أمر مشروع لمجابهة تعسف الخصم؟ أسئلة لا يجيب الفيلم عنها، لكنه يجيب، ربما، عن سؤال أهم: لماذا يرى 57 في المئة من الإيرانيين أنهم بانتخابهم الرئيس روحاني، يقولون رأيهم في ما آلت إليه أحوال بلدهم!
 
المصدر: الحياة

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق