رؤية مختلفة للأحداث !

موسيقى الطوارق.. وطن بديل من الألحان

0

gfjrldflas

تتوالى النكبات على الطوارق من سكان إقليم أزواد (شمال مالي) عاما بعد عام: حروب وأعمال عنف وسلب ونهب.. جماعات مسلحة، وعصابات تهريب، وشتات في مخيمات اللجوء.. مآس

وآلام لا تخفف من وقعها التدخلات الأجنبية، ولا تسهم في حلحلتها اتفاقيات السلام والوساطات الإقليمية المتتالية.
لكن كل هذه الأحزان تخفت حد التلاشي، وتغيب وإن للحظة من خارطة مشاعر وأحاسيس سكان مخيم امبرة (شرق موريتانيا) حين يداعب محمد آغ إبدا أوتار “التهرضنت” آلة العزف التقليدية لدى الطوارق، وينشد سالى آغ على إيقاعها مقاطع من ملحمة “انجورو” الطارقية.
تفتح هذه الملحمة نافذة على زمن سحيق كان الطوارق فيه مسيطرين على مسالك التجارة في المنطقة وحراسا لدروب الصحراء دون منازع. “إنها حكاية باقية عن قوة قبائلنا، وشكيمتهم وبسالتهم في الحروب.. ودليل على سلوك الرجل الطارقي الشهم الأمين الذي لا يَظلم ولا يقبل الظلم” يقول آغ وتنفت وهو يتمايل من الشوق والطرب.
ولى ذلك الزمن البعيد الذي أنشد فيه فنانو الطوارق هذه الملحمة التاريخية تخليدا لتصدي طبقة المحاربين الطوارق أو “إيماجغن” لتحالف واسع من قبائل وأعراق مختلفة حاول إخضاعهم، لكن تأثيرها باق حتى هذا الحين.

فعلى إيقاعها ترتفع النفوس الطارقية المعذبة في الملاجئ، وبما تحمل “انجورو” من أمجاد وبطولات تتعزى الأحلام الضائعة الهاربة عن الأوطان. “هي وسيلتنا للإحساس بالكرامة والمجد، وإبقاء ذكريات الأجداد حية في نفوس الجميع، خاصة الشباب الذين يعانون البطالة والغربة” هكذا يلخص آغ وتنفت مكانة هذه الملحمة لدى قومه.
ولكي تقترب الألحان والأغاني أكثر، وتكون أصدق وأقوى ملامسة لواقع الناس، اجترح الشباب الطارقي ألوانا موسيقية جديدة استعانوا فيها بالأدوات الموسيقية الحديثة مثل الغيتار. أغان تعبر عن جراح الطوارق النازفة في المخيمات، وأحلامهم المغدورة بالأمن والاستقرار، كما يقول حم آغ أويسون الفنان اللاجئ في مخيم امبرة في أقصى الشرق الموريتاني.
ورغم شح الوسائل، استطاع آغ أويسون وعدد من شباب هذا المخيم أن يجسدوا -في إبداعات فنية جميلة، وألحان تمزج بين الأصالة الطارقية والقوالب الموسيقية الحديثة- حكايةَ اللجوء ولوعة فراق الأوطان.
“تعوزنا الإمكانيات هنا لإنتاج فن بالمستوى الذي نطمح إلى تقديمه، فحتى الغيتار الذي ألحن عليه أغاني حصلت عليه بعد طول انتظار من إحدى منظمات الإغاثة العاملة في المخيم” يقول آغ أويسون ويضيف “ولا تسمح لنا ظروفنا المالية بالسفر أو بالمشاركة في المهرجانات الفنية التي تقام داخل موريتانيا، إلا في حالات نادرة”.

واقع ينعكس في أغاني الطوارق، ويعطيها لون الغربة والشقاء.. فحين يغني آغ أويسون، فهو لا يسعى -كما يقول- وراء إشباع رغبة عادية في الاستماع إلى الموسيقى أو الاستمتاع بالأداء، فبعد خمس سنوات من الغربة واللجوء، لم يبق له من رابط بالوطن سوى الكلمات والألحان. كلمات أودعها كل ما فاض عن نفسه من حزن وشوق ولوعة وفراق وحنين. وكان عليه كفنان يحمل هموم وتطلعات شعب مشرد في الملاجئ أن يعبر عن كل تشابكات القضية الأزوادية.
فليس الحزن والحنين وحدهما ما يعتملان في صدور اللاجئين، بل لهم كذلك حقوق سياسية واقتصادية، ولهم على العالم دين من الإنصاف وتحقيق التطلعات المشروعة بالأمن والاستقرار وتقرير المصير. “لا تحزنوا، فلستم وحيدين في هذا العالم أيها اللاجئون” تقول إحدى أغاني آغ أويسون، وترسم أخرى صورة عن أزواد هادئ لا حرب فيه ولا لجوء، بل كله أمن وأمان ورخاء.
أحلام يتمنى آغ أويسون أن يسمعها العالم، وأن يرسمها من خلال فنه وأغانيه، ليقدم صورة صادقة عن معاناة شعبه المكلوم بالحروب والصراعات. صورة تضع حدا للتنميط، وتكسر ما رسمته وسائل الإعلام من صور خاطئة عن شعبه المسالم الطيب، كما يقول. فهنا، أطفال جائعون، ونساء معذبات، وشباب عاطلون عن العمل، وهنا -كما في كل أرجاء العالم- شعب يريد الحياة، لكنه يكاد لا يجد إليها من سبيل سوى الكلمات والألحان.

الجزيرة

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق