«السفير» … عرض المئة دولار يُحرج المحترفين!
لا زمان أو مكان محددين تدور فيهما أحداث عرض «السفير» لفرقة نادي مسرح الفيوم ضمن الدورة العاشرة لمهرجان المسرح القومي المصري التي اختتمت أخيراً، وإن كان معروفاً
عن مؤلفه الهولندي سلافومير مروجيك انشغاله بالكتابة عن ويلات الحروب بعد الحرب العالمية الثانية، وصراع الإنسان من أجل امتلاك القوة حتى لو أدى ذلك إلى تدمير العالم وقتل الأطفال والنساء والشيوخ.
نحن أمام رجل وامرأة يتحقق فيهما مفهوم كارل يونغ عن النفس البشرية، الأنيما والأنيموس، فالأنثى تملك بداخلها حساً ذكورياً هو «الأنيموس»، ما يجعلها تميل في شكل طبيعي إلى الرجل، والرجل كذلك يمتلك بداخله حساً أنثوياً هو «الأنيما» يدفعه إلى الميل نحو المرأة، من هنا ينشأ التفاهم بينهما.
تسعى المرأة طوال العرض من دون فائدة إلى صرف الرجل عن رغباته الشريرة تجاه العالم، مرة يستجيب ويتطهر، وما يلبث أن يعود إلى طبيعته التدميرية من دون أن يلتفت إلى الأنثى الداخلية التي من شأنها جعله أكثر ميلاً إلى السلام والحب، ويتحول بعدها إلى سفير للدمار والخراب وإراقة الدماء. إنها الحرب بكل مآسيها وويلاتها وبشاعاتها.
هذا ما تناوله نص العرض الذي أخرجه أحمد السلاموني، عبر حوار ثنائي بين المرأة (ولاء شعبان) والرجل (محمد كسبان). وطوال الوقت لا تكف المرأة عن دفع الرجل إلى اكتشاف مواطن الخير بداخله والالتفات إلى «الأنيما».
يحتفي العرض بالصورة عوضاً عن الكلمة، إذ انتاب الحوار الثنائي بين الرجل والمرأة مقدار من الجفاف والصعوبة، ما قد يصيب المشاهد بالملل ويصرفه عن المتابعة. كما أن الحوار، أي حوار مهما بلغت قوته وحيويته وتوليده للأسئلة لا يصنع عرضاً مسرحياً من دون صورة تدعمه.
ومن هنا لعبت الصورة دور البطولة، فجسدت مغزى العرض عبر استخدام تقنيات المسرح الأسود، مسرح خيال الظل، مشاهد الحرب والدمار الذي خلفته، وإن شابت التنفيذ أخطاء بسبب قلة الخبرة وضعف الإمكانات.
الديكور ليس أكثر من ستار شفاف مرسوم عليه شجرة عجفاء، في دلالة واضحة على ما يخلفه عالم الحروب من دمار وللتعبير أيضاً عن الجفاف الإنساني.
ويستخدم الستار في تنفيذ مشاهد خيال الظل التي عكست تشكيلات جمالية لعب عليها المخرج في تصوير الثنائيات كافة التي يقوم عليها العرض» الخير والشر» «الحرب والسلام».
كما استطاع مصمم الإضاءة أحمد صلاح تصوير تلك المشاهد من طائرات تحلق، مدافع تحصد الأرواح، قتلى يتساقطون، وخيام تستقبل النازحين، فقدم صورة مصنوعة بعناية إلا من بعض أخطاء التنفيذ، وعدم الاستجابة لمتطلبات المشهد في اللحظة المناسبة.
وعلى رغم صغر سن الممثلَين، جاء أداؤهما متقناً يعكس وعياً بطبيعة النص وفهماً لطبيعة الشخصية الرمز، وقدما العديد من الرقصات التي اختزلت مساحات واسعة من الحوار وساهمت في تعميق المغزى، وأضفت على العرض الذي استمر قرابة ساعة مقداراً من الحيوية.
ويلاحظ أيضاً تجنبهما الأخطاء والارتباكات في تسلّم كل منهما الحوار من الآخر، وهو ما تعاني منه غالبية عروض الهواة.
واللافت أيضاً في العرض أنه لا يخاطب فئة المثقفين أو المهتمين بالمسرح فحسب، لكنه يخاطب أيضاً أولئك الذين قد يدخلون المسرح بالمصادفة، ويستطيع جذبهم إلى ذلك العالم الساحر، على رغم بشاعة القضية التي يعالجها، لكنه يطرحها ببساطة وعبر تقنيات وأداءات جمالية تملك قدرة أكبر على التأثير.
استطاع عرض «السفير» الرد على المطالب التي نادت بتغيير لوائح المهرجان القومي للمسرح المصري بحيث يقسم إلى فئتين، الأولى للمحترفين، والثانية للهواة، على أساس أن الهواة لا يستطيعون منافسة المحترفين بما يملكه هؤلاء من خبرات وإمكانات مادية.
إلا أن «السفير» وعروضاً أخرى تؤكد أن لا علاقة للهواية أو الاحتراف بالإجادة، ولا علاقة أيضاً لموازنات الإنتاج بمستوى ما يقدم من عروض، وحدها فقط قوة الخيال القادرة على صناعة مسرح مختلف وجديد هي الفرق. وبغض النظر عن نتائج المهرجان، أثبت بعض عروض الهواة أن العبرة هي في تقديم مسرح مختلف يكسر نمط السائد وأحياناً المبتذل.
ينتمي العرض تحديداً إلى مسرح الأندية، وهي الفكرة التي تبنتها هيئة قصور الثقافة في مصر قبل نحو ثلاثين سنة، وتقوم على منح الشباب فرصة إطلاق الخيال، عبر إنتاج عروض مسرحية بموازنات محدودة للغاية لا تتجاوز مئة دولار، في مقابل منح الهواة حرية اختيار النص من دون المرور على أجهزة الرقابة، أي مال أقل، في مقابل حرية أكثر. وأثمرت التجربة مع الوقت ولادة مئات الممثلين وعشرات المخرجين ومصممي الديكور الذين انطلقوا من سكة الهواية إلى عالم الاحتراف.
I’m a #Trainer , #Web_designer & #Social_Media_Specialist ...
Next Post