رؤية مختلفة للأحداث !

الأسد دمّر سوريا وينتظر “مكافأة” التقسيم

0

ojffwiojfg etwreoflk 93753بقلم: عبد الوهاب بدرخان
عامان من العذاب السوري. يبقى التفاؤل بالمستقبل ثابتاً، لكن لا ضوء بعد في نهاية النفق. عامان كاملان تُركت سوريا لقدرها، وها هي السنة الثالثة تبدأ لتوّها منذرةً بصراع مفتوح. لم يتوصّل حلفاء النظام إلى تمكينه بل ضلّلوه وضللهم، ولم يسع “أصدقاء” الشعب الثائر إلى تأمين انتصاره بل خذلوه وفاجأهم بصبره وصموده. كل ما جرى التحذير منه حصل، حتى لم يعد هناك ما هو مستبعد أو محظور، لا القصف الجوي ولا صواريخ الدمار الشامل ولا السلاح الكيماوي. قيل إن الأطراف الدولية كافة تحافظ على شبه “معادلة” داخلية تمنع الحسم وترجّح الحل السياسي، لكن كل يوم يمر يزيد تعقيدات مثل هذا الحل.

لم يعد مؤكداً أن سوريا ستبقى بجغرافيتها التي نعرفها، كما أن مزيجها السكاني الاجتماعي المتعايش بات معرّضاً لكل المخاطر. وإذا لم يطرأ تحوّل نوعي وشيك وفوري في المقاربة الدولية للأزمة -وهو لن يحصل على الأرجح – فإن احتمالات الأفغنة والصوملة والعرقنة واللبننة ستكون ماثلة وسط هذا الدمار الكبير الذي لا ينفك يتوسع. غير أن للحال السورية ميزاتها وخصوصياتها، فـ”السورنة” صارت تعني استخدام النظام الحاكم كل ترسانته العسكرية لقتل من يُفترض أنه شعبه ولتدمير ما يُفترض أنه بلده. كان في البداية يواجه الثورة بالعنف لأنه يريد الحفاظ على سلطته، وبعد ذلك راح يصعّد هذا العنف لأنه تيقن بأنه لن تبقى له سلطة على البلد.

وفي بداية القتل ترسخت في الأذهان وجوه وأسماء. كان الجميع، رجالاً ونساءً، يجهشون بالبكاء في وداع الشهداء. كانت الجنازات جزءاً من فعاليات الثورة. تكاثرت الوجوه/ الأيقونات لكن حصيلة الدم ثقلت، زادت أعداد الضحايا، صارت أرقاماً، وصار الجميع مشاريع شهداء، لا يسلم منهم من ذهب سعياً إلى دواء لطفل أو لعجوز، ولا من قصدت المخبز لشراء أرغفة قليلة. اندثرت كل وسائل الحياة لتزدهر صناعة الموت الوريثة الطبيعية لصناعة القهر التي فرضها النظام طوال خمسة عقود. أكثر من خمسة ملايين من السوريين أُخرجوا من بيوتهم إلى اللجوء الداخلي أو الخارجي. أكثر من مئة ألف قتيل، ومثلهم من المحتجزين والمفقودين وأكثر من ثلاثمئة ألف مصاب. لم يسبق أن رأى الإغاثيون الدوليون مأساةً إنسانية بهذا الحجم والترويع. تحدثوا عن كوارث صحيّة ونفسية، ودقت “اليونيسيف” ناقوس الخطر فهناك جيل كامل من الأطفال تشوّهت ذاكرته بمشاهد العنف ودوي القصف، وقد يكون على وشك أن يُفقد لأنه خارج الدورة الطبيعية للحياة بلا مدارس ولا ألعاب ولا سكن لائق ولا تغذية كافية.

كانت سوريا أشبه بصندوق أحكم النظام إغلاقه، حتى كاد الخارج يظن أن ليس هناك شعب، لكنها انفلشت الآن أمام العالم بكل ما زرعته العقود الخمسة من أمراض فيها. وحين طرحت فكرة تطبيق “السيناريو اليمني” لحل الأزمة بدت مغرية بل واعدة، ثم تبيّن أن ذاك السيناريو استفاد من معطيات الوضع في اليمن حيث المعارضة موجودة على الأرض ومعظمها ممثل في البرلمان وإنْ انتخب باقتراع شابته عيوب كثيرة، وحيث يوجد مجتمع مدني ناشط استطاع أن يعبر عن نفسه في الساحات، وحيث انحاز الحلفاء الخارجيون للنظام إلى حل سياسي يأخذ في الاعتبار طبيعة الانقسامات الاجتماعية ويعتمد إصلاحاً عملياً للمؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن. بل إن البعد القبلي الذي وفّر غطاء لمختلف الأطراف هو الذي لعب دوراً في ترجيح التسوية السلمية. كل ذلك كان مستحيلاً في سوريا ولا يزال، فالنظام جلس منذ اليوم الأول في غرفة العمليات الحربية ولم يغادرها. ومن تلك الغرفة راح ينسج اقتراحات تلفيقية لـ”حوار وطني” و”حل سياسي” لم يستطع أن يقنع أحداً بها، وحتى بعدما تعرّبت الأزم ثم تدوّلت طارحة عليه خرائط طريق إلى الحل لا يزال يحاول تطويع تلك الخرائط لتناسب خططه.

كان ولا يزال مذهلاً ومستعصياً على التصديق أن يكون نظامٌ ما حاقداً إلى هذا الحدّ على شعب وبلد يحكمهما. تلك ظاهرة تنتمي إلى ما قبل السياسة وما قبل الدولة، بل إلى ما قبل الإنسانية بمبادئها البسيطة المتعارف عليها. لذلك انهارت كل القيم التي حاول العالم اعتمادها لمقاربة الأزمة، فتعامل مع النظام على أنه باق وأنه يعوّل عليه للقيام بالإصلاح اللازم وأن يقود هذا الإصلاح ويتصالح سريعاً مع شعبه طالما أن الفرص سانحة، لكن النظام كان قد أصبح في مكان آخر، إذ باشر تنفيذ الخطط التي وضعها منذ زمن للتعامل مع أي ثورة شعبية ضدّه. فبالنسبة إليه ليس أمام الشعب خيار آخر غير قبوله كما كان وكما يريد أن يستمر، وأي رفض له ولممارساته لا بدّ أن يكون “مؤامرة” تستهدف دوره الإقليمي. وفيما كان متحوّطاً مسبقاً بفتح سوريا حصرياً لحلفاء أمثال روسيا وإيران يستغلّونه ويستغلّهم، ولا يرون مشكلة في قتل الشعب، فقد اعتقد أن لديه الصيغة المحكمة لتحقيق واحد من “الانتصارات” الوهمية التي اعتادها.

من الواضح أنه كان واهماً أيضاً في هذه الحال. لم يخطئ فقط في إثبات أن “الربيع العربي” سيتوقف عند حدود سوريا، بل أخطأ خصوصاً في تقويم قدراته رغم “ماكينة القتل” والدولة الأمنية التي أنشأها. ولم يخفق فقط في استنهاض رأي عام سوري وعربي مؤمن بأنه كان يمثل فعلاً ما ادّعاه من شعارات، وإنما قاده الفشل إلى ارتكاب خطيئة الخطايا: التدمير المنهجي لسوريا، بمثابة هدية وفاء منه لأعدائها… ولم يبقَ لديه سوى أن يتوقع منهم دعم تقسيم سوريا وإنشاء “دويلة” مذهبية، على سبيل ردّ الجميل إليه.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق