ظن المطبعون الجدد وملهمهم محمد بن سلمان أنهم وجدوا ضالتهم في ترامب وسيكون السيف الذي يضربون به الأعداء… غير مدركين أن هذا الرئيس رجل أعمال يحكم بمنطق الربح والخسارة…
بقلم: علي الصالح
صمت السعوديون الجدد ودعاة التطبيع والتحالف مع إسرائيل، وصحافيو بلاط محمد بن سلمان… ولم نعد تسمع لهم صوتا منذ أمد بعد أن أسقط في أيديهم وسحب بساط القضية الفلسطينية من تحت أرجل ملهمهم وقائدهم… وتلقوا حقا صفعة قرن.
صمت هؤلاء وصمتت معهم مدافعهم وهدأت، تلك الزوبعة التي عملوا على إثارتها. تلك الزوبعة التي تمادوا وتطاولوا فيها في تغريدات على «تويتر» وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مقالات صحافية وتصريحات تلفزيونية، على قدسية القضية الفلسطينية وموقع مدينة القدس في قلب هذه القضية التي هي أيضا في قلوب كل العرب باستثائهم ومن هم على شاكلتهم من العرب.
وتطاولوا أيضا على الشعب الفلسطيني وتاريخه النضالي وتضحياته على مدن القرن الماضي والخمس الاول من القرن الواحد والعشرين والحبل على الجرار.
وأطلقوا العنان لخيالاتهم في الترويج للعدو الصهيوني والدعوات للتطبيع معه بأي ثمن ما دام ذلك على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته. وحاولوا أن يبثوا في أوساط عامة الناس أن التحالف مع إسرائيل ضد خطر «الشيطان الإيراني الأكبر» أصبح قاب قوسين أو أدنى وأن فيه مصلحة لعامة الشعب.
لقد ظن هؤلاء ومن يماثلهم بالرأي من العرب الجدد أيضا، أنهم حقا سيحققون الاختراق المطلوب في المجتمع السعودي وربما الخليجي، وأنهم سيملون عليهم مفاهيمهم المنحرفة في ما يخص السلام والعلاقة مع دولة الاحتلال…
لقد أعمت «بهرجة» محمد بن سلمان، أعين هؤلاء فراحوا يتحركون تحت حمايته يمينا ويسارا على نطاق واسع دون رقيب أو حسيب، يبثون الأكاذيب وينفثون سمومهم ضد الشعب الفلسطيني الذي بقي صامدا شامخا رافضا «الفأر» الذي تمخضت عن أفكارهم.
وأثبت هذا الشعب مجددا أنه هو صاحب القرار في قضيته ولا أحد غيره، رغم أنوفهم وأنوف ترامب و«الثالوث الصهيوني»: صهره ومستشاره الخاص جارد كوشنر ومبعوثه للشرق الاوسط جيسون غرينبلات، وسفيره المستوطن ديفيد فريدمان»…
هذا الثالوث المسؤول عما يسمى عملية السلام في الشرق الاوسط، التي عجزوا بعد نحو عام عن إطلاقها والترويج لها حتى في أوساط النظام العربي الرسمي. ففشلوا في إيجاد ذاك النظام أو الطرف الفلسطيني، الذي يمكن أن يغامر ويقامر في موضوع القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.
وتشير الدلائل إلى فشل هذه الصفقة بعد تدخل مباشر من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز. ليس هذا فحسب بل أن ولي العهد الذي كانوا يضرب السعوديون الجدد والمطبعون بسيفه، لم يعد ذاك الرجل الذي يمسك بكل خيوط السياسة السعودية.
ولا يمكن الاعتماد عليه على وجه الخصوص في القضية الفلسطينية، رغم أنه وبالتنسيق مع جاريد كوشنر صهر ترامب وممثله الشخصي، من وضعا البنود العريضة لصفقة القرن في أواخر اكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتعهد بإقناع الفلسطينيين بقبولها بالإغراءات المالية وبالتهديد والوعيد إذا استدعى الأمر. لكن ما لم يتوقعه هو الرفض القاطع من جميع أطياف الشعب الفلسطيني.
ولم يحسب حساب أنه لم تلده أمه بعد ذاك الفلسطيني الذي يمكن أن يتجرأ على القبول بهذه الصفقة الحمقاء أو أي صفقات أخرى لا تأخذ الحقوق الفلسطينية بعين الاعتبار، مهما بلغت الإغراءات والتهديدات.
وأقول حمقاء لأنها فعلا كذلك فهي تعكس جهل واضعيها بالفلسطينيين الذين لم يكلفوا خاطرهم بإلقاء نظرة ولو سريعة على تاريخه النضالي وتضحياته.
ويقول المثل «إذا عرف سبب صمت الحملان بطل العجب». لم يعد محمد بن سلمان صاحب الكلمة الفصل في الملف الفلسطيني. ووفقا للإعلام الإسرائيلي «الحر» الذي بمعظمه ينسق مع أجهزة المخابرات ولا يسمح له بنشر خبر بدون مروره على الرقابة.
إن الملك سلمان، وهو بالمناسبة كان قبل توليه العرش المسؤول عن اللجان الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني وحملات التبرع له في السعودية، جرد نجله بعد أن تجاوز الخطوط الحمراء للسياسة السعودية في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، من أي مسؤولية خاصة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ونشرت صحيفة «معاريف» العبرية: قبل أيام تقريرا قالت فيه إنه حتى قبل بضعة أشهر تعهد محمد بن سلمان بعد تلك الليلة الخريفية من ليالي الرياض من شهر تشرين الأول/اكتوبر 2017، التي قضاها حتى الفجر مع كوشنر «ولي عهد ترامب» وتمخض عنها الخطوط العريضة لصفقة القرن، تعهد بن سلمان بالضغط» على الفلسطينيين لقبول صفقة القرن، سواء بالإغراءات المالية (10 مليارات دولار) أو الوعيد الأمريكي الذي تطلب الأمر.
رغم أنها لم تمنح الفلسطينيين أكثر من حكم ذاتي بدون التواصل الجغرافي في الضفة الغربية وبدون القدس الشرقية، وبدون حق العودة، ورغم تناقضها مع المبادرة العربية للسلام التي صاغتها السعودية، وبموجبها تقبل الدول العربية التطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني مقابل إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
وحسب الصحيفة العبرية فإن الملك سلمان جرد نجله من هذا الملف وقرر أن يديره بنفسه، بعدما ظن البعض، وأقصد السعوديين الجدد والمطبعين، أن الحظ بدأ يبتسم لهم وذلك خلال الفترة القصيرة التي بدا فيها محمد بن سلمان المسؤول الأول والأخير والآمر الناهي في كل الملفات في السعودية بما فيها الملف الفلسطيني، وأنه يقود بلاده لتغيير موقفها التاريخي والتقليدي من القضية الفلسطينية وعملية السلام.
وسعى من خلال محاولة بيعه للقضية الفلسطينية بتشجيع من السعوديين الجدد، نقل المملكة إلى مربع دولة الاحتلال الإسرائيلي بذريعة أن عدو عدوي (إيران) صديقي، وأنها، أي دولة الاحتلال، ستكون الدرع الواقي والمدافع عن السعودية.
ونقلت «معاريف» عن دبلوماسي عربي كبير في الرياض القول: إن الملك سلمان هو الذي يقرر في هذه المسألة الآن وليس ولي العهد، وأن خطأ الولايات المتحدة اعتقادها بأن دولة واحدة يمكنها الضغط على الآخرين وجعلها تستسلم، لكن القضية ليست ضغوطا، بل الحقيقة أنه لا يمكن لأي زعيم عربي التخلي عن القدس أو فلسطين.
وترى وسائل الإعلام الإسرائيلية بعودة الملك سلمان وغيره من الزعماء العرب لا سيما عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله الثاني إلى النهج والمصطلحات والتعابير السياسية العربية المعروفة، والتأكيد على رفض أي خطة سلام لا تشمل الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وعدم قبول أي مبادرات لا يقبل بها الفلسطينيون، وأدًا لـ«صفقة القرن» التي لا تعالج ملفي القدس واللاجئين…
وبذلك صدقت تحليلاتنا أن صفقة القرن ولدت ميته رغم التطبيل والتزمير لها من قبل السعوديين والعرب الجدد ومحاولات إنعاشها، ورغم الجولات المكوكية للثنائي كوشنر/غرينبلات في المنطقة والضغوط الأمريكية على كل الاطراف العربية، بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية التي أعلنت رفضها القاطع ومقاومتها لهذه الصفقة التي لا تلبي طموحات الشعب الفلسطيني… صدقت تحليلاتنا أن لا شيء يمر لا يقبل به الشعب الفلسطيني.
وأخيرا ظن السعوديون والمطبعون الجدد ومعهم ملهمهم محمد بن سلمان أنهم وجدوا ضالتهم في ترامب وأنه سيكون السيف الذي يضربون به الأعداء… غير مدركين لحقيقة أن هذا رجل الأعمال/ الرئيس يحسبها بالورقة والقلم ووفق الربح والخسارة…
فبعد أن «جرد العربان من مئات المليارات» يحاول أن «يحلبهم» أكثر بالإعلان عن استعداده للقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني بدون أي شروط مسبقة!
وهو البعبع نفسه الذي يحاولون التخلص منه حتى ولو كان ذاك على حساب التحالف مع ألد أعداء العرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص وعلى حساب إسقاط قضايا عربية مقدسة كقضية القدس وفلسطين.
فترامب هو رجل الاعمال/ الرئيس نفسه الذي هدد إيران عمليا بضربها بالقنابل النووية قبل نحو إسبوعين إن هي تجرأت على تهديد أقوى قوة في العالم، يغير موقفه مجددا.
وأختم بالتساؤل: بالله عليكم من يمكن أن يعتمد على رئيس يغير مواقفه كما يبدل ثيابه؟… ومن يمكن أن يحتمي بدولة تخلت عن حلفائها ومواطنيها الدروز الذين يخدمون في جيشها، يدافعون عنها بدماء أولادهم واعتبرتهم مواطنين من الدرجة الثالثة بسن قانون عنصري يعرف بقانون القومية؟
علي الصالح كاتب فلسطيني
المصدر: القدس العربي