رؤية مختلفة للأحداث !

العـرب يـزدادون «اعتدالاً» والإسـرائيليون يـزدادون تطـرفًا..!

0

يتهافت «عرب الاعتدال» للسلام والتطبيع سرا وعلانية مع إسرائيل، ويُروّجون للتحالف معها ضد إيران.. وإسرائيل ترد بخنق غزة وتقطيع أوصال الضفة، وأسرلة القدس وانتهاك المقدسات وأخيراً قانون «يهودية الدولة».

بقلم: عريب الرنتاوي

يُسقط قانون «قومية الدولة اليهودية» مرة واحدة، وإلى الأبد، واحدة من النظريات «المؤُسِّسَةِ» لـ«البروباغندا» الإسرائيلية، التي زعمت على الدوام، أن العرب، وبالأخص الفلسطينيين، لا يريدون السلام، وأن غايتهم الوحيدة، القذف بهم في البحر، ليصبحوا طعاماً لأسماكه وقروشه.

وهي نظرية تبنتها بعض «عواصم الاعتدال العربي» و«اللاهثون» وراء سراب التطبيع المجاني مع إسرائيل، فشرعوا يبشرون بالحاجة لـ«طمأنة» المجتمع الإسرائيلي والتقرب من حكومته، والتطبيع معها، وإظهار حسن النوايا العربية دوماً، وفي كل مرة، وعند كل منعطف، علّنا بذلك، نقنع إسرائيل بالجنوح للسلام، ونسهم في تعزيز وتطوير «حركة السلام» بداخلها.

لكن التجربة العملية، في محصلتها، تنهض شاهداً على سقوط هذه النظرية بطبيعتيها العربية والعبرية.

الفلسطينيون فعلوا كل ما بوسعهم للسير على طريق الاعتدال والسلام، قبل 44 سنة، تبنوا برنامج العودة وتقرير المصير ودولة على حدود 67، وأعلنوا استقلالهم في 1988 على هذه البقعة من أرض فلسطين التاريخية، وعليها وحدها فقط.

ومنذ 1993 وبعد قيام السلطة، وحتى يومنا هذا، تحولوا إلى «حرس حدود» للمستوطنات والخط الأخضر، ومضوا إلى أبعد نقطة في التخلي عن حق العودة واستبداله بالاعتراف بالحق والعودة الرمزية والتعويضات، قبلوا بتبادل الأراضي، واستعدوا لترتيبات تكفل حرية ممارسة الشعائر الدينية لكل أتباع الديانات، بما فيها اليهودية..

ارتضوا بدولة منزوعة الدسم والسلاح، وناقصة السيادة … «ارتضوا بالهمّ، لكن الهمّ لم يرتض بهم»… وكلما قدموا تنازلاً، طالبت إسرائيل بتنازل جديد، وكلما بدت الدولة على مرمى حجر، يتأكد أنها أبعد منالاً… إسرائيل تزداد تطرفاً وجنوحاً نحو اليمين الديني والقومي، كلما تنامت استعدادات الفلسطينيين لتقديم المزيد من التنازلات وإبرام المساومات.

الشيء ذاته، حصل مع الدول العربية، المعتدلة وغير المعتدلة على حد سواء … قرار 242 قُبل من جمال عبد الناصر، وقرار 338 قُبل من حافظ الأسد، ومبادرة الأمير فهد، تقررت بالإجماع في قمة فاس الثانية، بعد فشل محاولة تمريرها في فاس الأولى، وبين «الفاسين» كما هو معلومات، وقعت «الفأس في الرأس» الفلسطينية، على حد تعبير ياسر عرفات، في إشارة إلى غزو لبنان واجتياح بيروت وإخراج مقاتلي الثورة الفلسطينية من لبنان…

وفي قمة بيروت العربية عام 2002، تبنى القادة العرب بالإجماع، مبادرة الأمير عبد الله، وعرضت 22 دولة عربية، سلاماً وتطبيعاً مع إسرائيل، إن هي انهت احتلالها للأرض الفلسطينية والعربية المحتلة، إسرائيل ارتضت بالسلام وقبلت التطبيع، ورفضت إنهاء الاحتلال.

في الرد على مبادرة الأمير فهد، شنت إسرائيل حرب تطويق وإبادة ضد منظمة التحرير وحلفائها في لبنان عام 1982، أي قبل أن يجف حبر المبادرة…

وفي الرد على مبادرة الأمير عبد الله، شنت إسرائيل عملية «السور الواقي»، وإعادة احتلال الضفة الغربية، وحاصرت ياسر عرفات في «مقاطعته»، وسممته، قبل أن تشرع في التحضير لسلسلة من العدوانات والحروب على غزة بعد الانسحاب أحادي الجانب منها، وفرض أبشع وأطول أنوع الحصار على أهلها وسكانها.

والشيء ذاته، حصل مع الدول الإسلامية كذلك، 57 دولة مسلمة أو ذات أغلبية مسلمة، عرضت سلاماً وتطبيعاً شاملين مع إسرائيل، إن هي أنجزت انسحاباً كاملاً من الأراضي المحتلة، وفي استعادة حرفية تماماً لمبادرة السلام العربية، لكن ردة الفعل الإسرائيلية، على المبادرة الإسلامية، لم تختلف في جملتها وتفاصيلها عن ردة فعلها على المبادرة العربية: أهلاً بالسلام والتطبيع، ووداعاً للأرض والحقوق.

العرب اليوم، يتهافتون للسلام والتطبيع، المعلن ومن تحت الطاولة، مع إسرائيل، وثمة نظريات يُروّج لها في بعضم عواصمهم، حول جواز التحالف مع إسرائيل في مواجهة إيران … إسرائيل ترد على هؤلاء بخنق غزة وتقطيع أوصال الضفة، وأسرلة القدس وانتهاك حركة الأماكن المقدسة … وأخيراً قانون «يهودية الدولة».

إسرائيل أخفقت في صنع السلام مع ياسر عرفات، الزعيم الوطني الذي نقل الحركة الوطنية الفلسطينية من خنادق المقاومة المسلحة إلى موائد التفاوض والحلول الوسط، ومن «اللاءات الثلاثة إلى النعمات الثلاثة»…

وإسرائيل أخفقت في صنع سلام مع الرئيس محمود عباس، الذي جعل من المفاوضات والسلام، خياراً أيديولوجياً – استراتيجياً – وحيداً …

وإسرائيل أطاحت بسلام فيّاض ومشروعه، وهو الذي عمل جنباً إلى جنب، وكتفاً إلى كتب، مع موفد الرباعية طوني بلير، والمنسق الأمني الأمريكي الجنرال كيث دايتون..

كل فلسطيني، من منظور إسرائيلي، هو إرهابي، أو متواطئ مع الإرهاب، أو عاجز عن محاربته ومواجهته … لا يوجد فلسطيني جيد من منظور إسرائيل، الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميّت.

قضى العرب أسرى شعاراتهم «الثورية المجنّحة» قرابة ربع قرن منذ قيام إسرائيل، لكنهم صرفوا ضعف هذه المدة، أي أكثر من نصف قرن في البحث عن سلام معها …

التاريخ من منظور إسرائيلي، توقف عند تلك الفترة، أما العقود الخمسة اللاحقة، وما استبطنته من تبدلات ومبادرات وتنازلات فلسطينية وعربية، فلم تسترع انتباه إسرائيل، التي لا تزال دعايتها السوداء، تتحدث عن البرابرة الذين يرغبون بإلقاء إسرائيل في البحر.

خّدع بعض العرب بهذه المقاربة، وذهبوا إلى آخر حد في مشوار الاعتدال والجنوح للسلم والمفاوضات، بيد أن إسرائيل قابلتهم بالصدّ والرفض على الدوام، بل وبالمزيد من الجنوح للتطرف الديني والقومي، فلا حل الدولتين خيار بالنسبة لإسرائيل، وقانون «يهودية الدولة» قضى على أقانيم العودة وتقرير المصير وبناء الدولة وعاصمتها القدس، قضاءً مبرماً.

ومع ذلك، هناك من بيننا من لا يزال يروّج لتلك البضاعة الكاسدة، ولتلك الأساليب الصدئة والوسائل البالية في التعامل مع دولة الاحتلال والحصار والتمييز العنصري، دولة الاحتلال الوحيد في مفتتح القرن الحادي والعشرين.

* عريب الرنتاوي كاتب صحفي أردني.

المصدر: صحيفة «الدستور» الأردنية.

مفاتيح: إسرائيل، قانون «قومية الدولة اليهودية»، «البروباغندا» الإسرائيلية، العرب، الفلسطينيون، «عواصم الاعتدال العربي»، «اللاهثون» وراء إسرائيل، التطبيع المجاني مع إسرائيل، «طمأنة» المجتمع الإسرائيلي، دولة الاحتلال والحصار والتمييز العنصري،

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق