رؤية مختلفة للأحداث !

المعارضة السورية وخطة كوفي أنان!

0

akrmb syrkc 910بقلم: أكرم البني
الحديث السلبي عن المعارضة السورية وما يؤخذ عليها من تشتت وعجز عن توحيد صفوفها يفقد اليوم الكثير من زخمه، ليس فقط بسبب تشابه العهود والمواثيق التي أعلنت مؤخرا من قبل أهم فصائلها، المجلس الوطني وهيئة التنسيق وجماعة الإخوان المسلمين وغيرهم، وبدت أحيانا وثائق متطابقة في الموقف من التغيير وطابع الدولة المدنية والديمقراطية، وإنما أيضا جراء قبولها بما يشبه الإجماع بخطة كوفي أنان لمعالجة الأوضاع المأساوية في البلاد، حتى وإن اختلفت أسباب ودوافع القبول بين هذا الائتلاف أو ذاك.

تتفق الغالبية العظمى من المعارضين على أن الشعب المنتفض هو الطرف المستفيد من تطبيق الخطة الأممية، وما كان لبنودها الستة أن تفرض على النظام فرضا لولا استبسال الناس في الدفاع عن حقوقهم وما قدموه من تضحيات لا تقدر بثمن. وبلا شك ستكون النتائج في مصلحتهم مع وقف العمليات العسكرية والقصف وسحب الأسلحة الثقيلة من الشوارع والأحياء السكنية، وتوفير ممرات لتقديم الدعم الإنساني، وإطلاق سراح المعتقلين والسماح بالتظاهر السلمي، ثم فسح المجال أمام وسائل الإعلام الحرة ونشر نخبة من المراقبين للرصد والمتابعة، وبعبارة أخرى سيكسب الحراك الثوري فرصة ثمينة كي يلتقط أنفاسه ويستجمع قواه ويوظف حقه في التظاهر والاحتجاج لإبقاء جذوة الثورة متقدة ومدها إلى قطاعات جديدة، مطمئنا إلى أن المتابعة الحثيثة للمجتمع الدولي عبر عيون المراقبين والإعلاميين سوف تقيد بلا شك أيادي آلة القمع والتنكيل وتحاصر ممارسات النظام.

ثمة معارضون يجدون الخطة ضرورية لحماية المدنيين بالدرجة الأولى، والأهم عندهم هو إيصال ما يمكن من مساعدات إنسانية إلى سكان المناطق المنكوبة بعد أن قطعت الآلة العسكرية والأمنية كل سبل التواصل معهم، فإن يجبر النظام على ضمان وصول المعونات المعيشية والصحية للمحتاجين والمتضررين هو أمر لا يدرك قيمته الحقيقية والنوعية سوى من يعش في تلك المناطق ويلامس معاناة أهلها وآلامهم، هذه المساعدات ومع استمرارها قد تشجع الكثيرين للعودة إلى بيوتهم ممن تركوا مناطقهم الساخنة ويكابدون من شروط الهجرة والتشرد.

وهناك معارضون دعموا خطة أنان كوسيلة جديدة لتعرية ممارسات النظام السوري وإظهار فشل خياره الأمني والعسكري، بما هو فشل إعادة زرع الخوف والرعب في المجتمع، فوقف العنف والسير على طريق حل سياسي يضع النخبة الحاكمة في موقع لا تحسد عليه أمام مناصريها وحلفائها وهي التي لم تكل أو تمل من الحديث عن جدوى العنف ضد عصابات مسلحة ومجموعات متآمرة على البلاد، خاصة أمام أولئك الذين أحرقوا مراكبهم لهول ما ارتكبوه من فظاعات، ويخشون انكشاف الحقائق والمحاسبة، والذين يدركون جيدا ما سوف تؤول إليه أوضاعهم في حال البدء بسحب القوات العسكرية والالتزام بإطلاق سراح المعتقلين وفسح المجال لحرية الإعلام والصحافة كما للمظاهرات والاحتجاجات السلمية.

ولا يغير هذه الحقيقة بل تؤكدها محاولة السلطة السورية الظهور بمظهر المنتصر على ركام الدمار الكبير الذي أحدثته في الكثير من المناطق، كأنها تريد أن تقنع نفسها قبل إقناع الآخرين بنجاعة ما حققه الحل الأمني والعسكري وأنها لم ترضخ للضغوط الدولية، وأنها وافقت على خطة عنان وأعلنت تأييدها للمعالجة السياسية من موقع القوة وليس من الموقع الضعيف. بما يؤكد أن هدفها الثابت هو شراء مزيد من الوقت كي تتوغل أكثر في القمع والتنكيل، عبر توظيف ما تمتلكه من خبرات لتمييع الخطة الأممية وإفراغها من محتواها، كإغراقها في التفاصيل وإشغالها ببعض الاشتراطات المسبقة، كما نسمع اليوم عن أولوية تجفيف مصادر إمداد المعارضة بالسلاح والمال، وعن شرط موافقة السلطات على جنسية المراقبين قبل نشرهم، وقس على ذلك.

وأخيرا هناك دافع في وقوف بعض المعارضين مع تنفيذ خطة أنان لأنها برأيهم تدعم الوجه السلمي للثورة، ومن هؤلاء من يجاهر برفضه عسكرة الحراك الشعبي ويذكر بمخاطر ذلك على مصير الثورة ذاتها وحرفها عن أهدافها في الحرية والكرامة، بينما يرى آخرون أن خطة أنان حين تسعى لوقف العنف فهي تعيد الاعتبار لأولوية المظاهرات والاحتجاجات السلمية بما يعني إعادة الأهمية لدور المجتمعين المدني والأهلي والفعاليات السياسية في ترشيد الثورة ومد انتشارها وتمكينها.

ويبقى الأوضح نجاح المعارضة السورية على اختلاف تكويناتها وائتلافاتها، في الالتفاف على نقطة الخلاف الوحيدة المتعلقة بالحوار مع النظام، فلا يمكنك اليوم وضع مسافة افتراق بين من يرفض الحوار بالمطلق لأن النظام فقد شرعيته، وبين من يرفضه بسبب الحرج الأخلاقي من شدة القمع والتنكيل الذي يمارس دون رادع، أو من يرفضه لأنه مقتنع بأن النظام غير جاد في موافقته على الحل السياسي ولا يريد منحه فرصة أو غطاء للاستمرار في خياره العنفي، وبين من وجد مخرجا توافقيا في اعتبار الحوار شكلا من أشكال التفاوض ليس إلا، وظيفته ضمان نقل سلمي للسلطة ووضع خطة عملية وزمنية لإرساء قواعد الحياة الديمقراطية وهو الأمر الذي يعني ضمنا وضع الأمور بيد حكومة انتقالية تدعو لانتخابات برلمانية حرة ولصياغة دستور جديد جوهرة إقامة دولة مدنية تضمن الحريات وحقوق المواطنة المتساوية.

والخلاصة أن توافق أطراف المعارضة السورية على قبول خطة كوفي أنان ودعمها، يفتح أفقا جديدا أمامها، خاصة إن تمكنت من الالتفاف على محاولات أهل الحكم إفشال هذه الخطة وإفراغها من محتواها، ونجحت في نيل ثقة المراقبين الدوليين والصحافة الحرة بما تقدمه لهم من بيانات دقيقة حول المعتقلين والمفقودين وأشكال القمع والتعذيب وجديد المظاهر المسلحة وغيرها، وهو أفق سوف يفضي وإن بشكل متدرج إلى تعديل توازن القوى ما إن يطمئن الناس ويتوافدوا بثقة إلى ساحات التظاهر والاحتجاج.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق