رؤية مختلفة للأحداث !

عندما يكذب.. ثم يكذب النظام!!

0

slhqlb veihon 837بقلم: صالح القلاب
في خطابه أمام آخر اجتماع للجمعية العمومية للأمم المتحدة، الذي خصص لبحث الأزمة السورية في ضوء تعثر خطة المبعوث الدولي والعربي كوفي أنان، بل فشلها في حقيقة الأمر، قال المندوب السوري لدى المنظمة الدولية الدكتور بشار الجعفري في مرافعته عن نظام الرئيس بشار الأسد: «إن دماء السوريين جميعا، مدنيين وعسكريين أطفالا ونساء وشيوخا وشبابا، بما في ذلك المعارضة الداخلية والخارجية، غالية على الحكومة السورية فكل هؤلاء سوريون».

وكان الرئيس بشار الأسد قد قال قبل ذلك بأربعة أيام في خطابه أمام مجلس الشعب الجديد الذي جاء مختصرا ولم يستغرق على غير العادة إلا سبعين دقيقة فقط لا غير: «إن البعض يطرح في نفس هذا الإطار ومنذ بداية الأزمة أن الرئيس يجب أن يكون لكل الشعب، وأنا أقول كي أكون دقيقا، إن الرئيس هو لكل من يقف تحت سقف الوطن والدستور والقانون وإلا ساويت بين العميل والوطني، وبين الضحية والجلاد، وبين الفاسد والشريف، وبين من يخرب وبين من يبني».

فمن هو الذي يجب تصديقه يا ترى.. هل هو الرئيس الذي من المفترض أنه مسؤول عن كل شعبه، حتى بمن في ذلك الذين يحاولون إسقاطه بالقوة، أم هو مندوبه لدى الأمم المتحدة الذي يبدو أنه حاول «ترقيع» ما قاله رئيسه في لحظة غضب لم يستطع خلالها السيطرة على أعصابه.

في بدايات ثمانينات القرن الماضي كان التذمر لدى مجموعات المثقفين السوريين قد بدأ يتعاظم بعد مرور أكثر من عشرة أعوام على ما سمي «الحركة التصحيحية» التي راهن كثيرون على أنها ستخرج سوريا من المأزق الذي أدخلها فيه الأكثر يسارية وتطرفا في حزب البعث، وعلى أنها ستحل محل المرحلة السابقة لأنها تتسم بعدم التوتر وببعض الحريات العامة وبعض الممارسات الديمقراطية وتخفيف قبضة الأجهزة الأمنية على الناس والانفتاح على المحيط العربي والكف عن أساليب وممارسات النزق السياسي، ليس تجاه الغرب «الرأسمالي» والولايات المتحدة فقط، وإنما أيضا تجاه الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي.

ولامتصاص ذلك التذمر المتعاظم جرت الدعوة لاجتماع مميز في مدرج جامعة دمشق التاريخي حضره عدد كبير من مثقفي سوريا وبعض المثقفين العرب من اللاجئين سياسيا والمقيمين في سوريا تحدث فيه الرئيس السابق حافظ الأسد، وكان يومها، أي في عام 1980، في عنفوان شبابه وفي ذروة سيطرته وتألق حكمه، كعادته لساعات طويلة وحسب بعض من حضروا ذلك «الاجتماع التاريخي» ومن بينهم الشاعر والروائي المبدع ممدوح عدوان، رحمه الله، فإن «الرئيس» قد رسم صورة عن فترة العشرة أعوام الماضية من حكمه، وكأنه كان يتحدث عن إحدى الدول الإسكندنافية، فالرخاء عام، والحريات ضافية، ورغد العيش يعم الجميع، ولا وجود للمعتقلات ولا للسجون ولا لنحو سبعة عشر جهازا مخابراتيا، من بينها الاستخبارات الجوية و«فرع فلسطين» سيئ الصيت والسمعة.

يومها كان قد مر على رفاق حافظ الأسد من قادة الدولة والحزب والقوات المسلحة، الذين انقلب عليهم في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970، في سجن المزة الشهير وزنازينه، التي أنشئ بعضها في عهد الاستعمار الفرنسي، عشرة أعوام وأكثر، وكان القمع باسم «الممانعة والصمود.. والمقاومة» قد بلغ ذروته، وكان وهج حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 لا يزال لم يتراجع نهائيا، وكان النظام السوري قد استكمل سيطرته على لبنان وشدد قبضته على خناق ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، وكانت العلاقات مع العراق في أسوأ حالاتها، وكانت الأوضاع الداخلية متردية، وكانت مذبحة «حماه» المعروفة في عام 1982 تقف على الأبواب، وكذلك وخلافا لما قاله الرئيس في ذلك الاجتماع التاريخي المطول في مدرج جامعة دمشق، فإن سوريا كانت تمر بأصعب ظروفها، فباسم مقاومة الإرهاب كان تكميم الأفواه قد بلغ ذروته، وكانت المعتقلات قد طفحت بنزلائها، وكانت الأجهزة الأمنية تطارد الناس في الشوارع، وكانت الأحكام الجائرة تتواصل ضد قوى المعارضة.

لقد سمع ممدوح عدوان مثله مثل كل الذين حضروا ذلك الاجتماع من حافظ الأسد كلاما مغايرا لما كانت عليه الأوضاع في سوريا، فكان أن بادر هذا الشاعر المبدع، الذي هو أيضا مثله مثل سعد الله ونوس وحيدر حيدر ومحمد الماغوط من الطائفة العلوية إلى كتابة مقال عنوانه: «عندما يكذب النظام»، أرسله إلى مجلة «الحوادث» التي يرأس تحريرها ويمتلكها الصحافي اللبناني الألمعي سليم اللوزي، والتي كانت قد انتقلت من بيروت إلى لندن هروبا من الأمن المستعار ومن قوات الردع العربية ومن المخابرات السورية بكل فروعها التي كانت قد أصبحت تسيطر سيطرة تامة على لبنان بكل ما فيه وبكل ما عليه من ميليشيات متحاربة ودولة مهلهلة ومقاومة فلسطينية تشكل بعض فصائلها غير الأساسية بنادق للإيجار لمن يدفع أكثر، ومن بين هؤلاء الذين يدفعون أكثر معمر القذافي الذي انتهى إلى تلك النهاية المأساوية.

بادر سليم اللوزي الذي كرس مجلته لمقاومة السيطرة السورية على لبنان إلى تحويل ما كتبه ممدوح عدوان عن ذلك الاجتماع بقدرته الصحافية الهائلة والمميزة إلى تحقيق صحافي جميل عنوانه «عندما يكذب النظام»، وكانت غلطته الأولى أنه وضع صورة حافظ الأسد غلافا لعدد «الحوادث» الذي حمل هذا العنوان، أما غلطته الثانية فهي أنه لم يدرك خطورة ما فعله، وأنه رغم ذلك قد عاد إلى لبنان للمشاركة في عزاء والدته التي توفيت في مدينة طرابلس اللبنانية رغم معرفته بأن السيطرة الكاملة على هذا البلد قد أصبحت للأجهزة الأمنية السورية ولبعض الفصائل الفلسطينية المرتبطة بالأجهزة الأمنية السورية.

إن هذه هي غلطة سليم اللوزي الأولى والثانية، أما غلطته الثالثة فهي أنه رفض عرضا من الراحل ياسر عرفات بأن يؤمن انتقاله من مدينة طرابلس إلى مطار بيروت فكانت النتيجة أنه أوقف من قبل حاجز طيار عند نقطة «الكوكودي» على بعد أمتار من هذا المطار وأنه وجد مقتولا بعد أيام بالقرب من الطريق إلى عاليه، وأن الذين قتلوه تعمدوا فقأ عينيه وإذابة يده اليمنى بـ«الأسيد» وإطلاق رصاصة على صدغه وقطع لسانه.. ثم وقد وجد المصور الذي صوره وهو على هذه الحالة بعد أيام مقتولا أيضا في هذه المنطقة ذاتها، كما وجد راعي الأغنام الذي دل على جثته وقال إنه شاهد بعض قتلته بعد أيام مقتولا أيضا، وكل هذا على الطريقة الستالينية.

لقد كان هذا في الماضي وقبل ثلاثين عاما وأكثر، أما الآن فإن هذا النظام قد كذب عندما أعلن منذ اليوم الأول لانفجار هذه الانتفاضة أنه يحارب مجموعات وعصابات مسلحة، وأنه كذب على الجامعة العربية وعلى كوفي أنان والمجتمع الدولي، وكذب أيضا عندما بادر بعض رموزه إلى القول في بدايات كل هذا الذي جرى، إن الأزمة أصبحت وراءهم، وهو يكذب الآن عندما يقول إنه مستهدف لأنه نظام «ممانعة ومقاومة»، ولأنه الوحيد في هذه المنطقة الذي يتصدى للإمبريالية والصهيونية!! وهو يكذب أيضا عندما يتنصل من مذبحة الحولة، وعندما ينكر التدخل الإيراني السافر في الشؤون السورية، وعندما يستنكر الطابع الطائفي الذي يتقصد استخدامه ضد شعبه، وعندما يصف انتخابات مجلس الشعب الأخيرة بأنها جزء من العملية الإصلاحية التي يقول إنه بدأها بعد انطلاقة شرارة هذه الثورة التي وبلا أي تردد بالإمكان وصفها بأنها عظيمة وأنها جوهرة الثورات العربية الأخيرة.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق