بقلم: حسام عيتاني
الرئيس السوري بشار الأسد قادر على صناعة الأعاصير. لا شك في ذلك. لكنها أعاصير من نار وحديد يسلطها على أبناء شعبه وليس إعصاراً يوجهه بمساعدة حلفائه الإيرانيين إلى الولايات المتحدة.
وسائل الإعلام الأميركية استهزأت بإعلان صفحة «شبكة أخبار القوات المسلحة السورية» (المؤيدة للنظام السوري لكن غير الرسمية) وقوف «محور المقاومة» وراء إصابة الإعصار «ساندي» الساحل الشمالي الشرقي الأميركي باستخدام تكنولوجيا فائقة التطور واستغربته. وهو خبر جدير بكل استهزاء واستغراب.
الخبر الذي أوردته الصفحة الموالية واضعة الإعصار في خانة العقاب الذي ينزله «محور المقاومة» بمن يهاجم «سورية الأسد» ويهدد أمنها، ليس الأول من نوعه وليس فريداً في بابه. فقد نشرت قبل شهور مواقع موالية عدة قصص عما اسمته «عملية الياسمينة الزرقاء» عن إنجازات عناصر الاستخبارات والقوات المسلحة التابعة للنظام في مطاردة جواسيس الغرب والعرب الساعين إلى تخريب سورية «الأسد»، طبعاً وإسقاط نظامها الوطني المقاوم. وتعددت قصص «الياسمينة الزرقاء» وتمادى كتابها في الخيال إلى حد صارت حكايات ألف ليلة وليلة ومغامرات السندباد والشاطر حسن، تبدو معها قصصاً شديدة الواقعية.
لا تستحق قصة إطلاق النظام السوري وحلفائه للإعصار «ساندي» ولا خرافات «الياسمينة الزرقاء» اهتماماً من وجهة النظر السياسية والأمنية. لكن عدم سعي الحكم في سورية ووسائل إعلامه و «مثقفيه» إلى وقف هذا السيل من القصص الخيالية الهابطة المستوى، يشي بأمر آخر.
فمنذ شهور يحتل شاشات وسائل إعلام النظام وصفحات صحفه محللون وخبراء تخصصوا في تقديم روايات لا تقل كثيراً في مستوى الخيال الذي تلجأ إليه، عن أسباب الثورة والجهات التي تؤيدها والمؤامرات التي تحاك ضد سورية. ودأب هؤلاء على استغلال أنصاف الحقائق وأرباع المعطيات والتقارير الدولية، استغلالاً صبيانياً للدفاع عن وجهات نظرهم. وجل هؤلاء يأتي من «القطر الشقيق» لبنان ليعلم السوريين معنى الوطنية والقيمة الفائقة الأهمية للنظام الذي يحكمهم. شذرات من الحقائق تخفي وراءها أكوام التفكير الرغبوي الطفولي غير القادر على مواجهة الواقع والحقائق المرة والحائط المسدود الذي أوصل نظام الأسد سورية إليه، غير الهروب إلى الخيال ومحاولة إسقاطه على العالم الملموس وعلى معطيات التاريخ والجغرافيا والثقافة.
وليس أصعب الأسئلة ذاك القائل أنه لو امتلك محور الممانعة قدرة على ضرب الولايات المتحدة بأعاصير من طراز «ساندي»، لماذا يعجز عن السيطرة على أحياء تبعد رمية حجر عن القصر الجمهوري في دمشق؟ تختزل الإجابة على هذا السؤال البسيط وعلى أسئلة أخرى من صنفه، كل الفارق بين الشعب السوري الذي حزمت قواه الحية قرارها بإسقاط النظام بالوسائل والأدوات والتحالفات المتوافرة من دون انتظار دعم خارجي متعثر، وبين نظام يبرر بقاءه بضرورات وتصورات لا صلة لها بغير مصالح الطغمة الحاكمة والحلفاء الأجانب.
الإعصار «ساندي» لم تطلقه القيادة السورية ولا أي قيادة حكيمة في محور الممانعة. والإنجازات الأمنية المذهلة ليست غير زج مئات آلاف السوريين في المعتقلات وقتل الآلاف في إعدامات ميدانية ومجازر جماعية وتحت التعذيب. وفيما يجذب النظام المجتمع السوري إلى الغرق في لجّة العنف والدماء، لا يجد مخرجاً من أزمته الأخيرة غير خبرائه الاستراتيجيين ومحلليه ينهلون من أراجيف خيالهم الضحل والمريض.