بقلم: فولكر بيرثيس
بعد عامين تقريبا من الحرب الأهلية، لم يعد هناك إلا خياران أمام سوريا، واحد سياسي والآخر عسكري، حيث أصبح كلا الجانبين يعتمد على القوة، فما زال ناشطو المعارضة الذين يحاولون الحفاظ على الطابع السلمي في الأصل لثورتهم موجودين، غير أن الثوار المسلحين قد بدأوا يسيطرون على مجريات الأمور. وقد تم مبكرا تهميش من يرغبون من داخل النظام في إشراك المعارضة في شكل ما من أشكال الحوار، حينما اختار بشار الأسد القوة في الرد على الاحتجاجات. وفي النهاية، لا بد أن تكون هناك عملية سياسية، إلا أن الأوضاع التي سوف تتم فيها تلك العملية الآن تتوقف في المقام الأول على التطورات العسكرية على الأرض، كما تتوقف بدرجة ما على إشارات وتحركات الأطراف الدولية الفاعلة.
لكن إذا كان كلا الجانبين حاليا يستخدم الوسائل العسكرية من أجل بلوغ غايات سياسية، فهنا تختلف الغايات. فبالنسبة للمعارضة، يعتبر النضال المسلح وسيلة لدعم الثورة التي كانت في البداية مدنية، وهي تعتبر أن السكان المدنيين – حتى في الأراضي الواقعة تحت سيطرة النظام – هم القاعدة التي تنطلق منها، حيث تهدف إلى خلع النظام عن طريق اكتساب أرضية عسكرية وسياسية. والكثير من المسؤولين الحكوميين يدركون أن النظام لا يمكنه الانتصار عسكريا، وقد ذكر نائب الرئيس فاروق الشرع الكثير جدا من هذا في حوار أجري معه مؤخرا، غير أن الخسائر في الأراضي والانتكاسات السياسية لم تجعل قلب النظام المتمركز حول بشار الأسد وشقيقه ماهر أكثر ميلا إلى التفاوض، فاقتسام السلطة ببساطة ليس واردا في قاموس البعثيين.
والأسد كذلك لا يبدو على استعداد للتفاوض من أجل تأمين خروج آمن لنفسه من سوريا بأكثر مما كان عليه قبل عام مضى، فاستراتيجيته السياسية تتلخص في البقاء، لكنها لم تعد تدور حول سوريا بأكملها، إذ يرى الأسد أن بإمكانه التركيز على الاحتفاظ ببضع مناطق استراتيجية – هي دمشق والجبال الساحلية، التي يسكنها في الأساس أبناء الأقلية العلوية التي ينتمي إليها، وميناء طرطوس، والأراضي الواصلة بين كل هذه المناطق – مع إنزال عقاب صارم بالأراضي التي وقعت في قبضة الثوار.
ومن الناحية العسكرية، فإن الأسد يعتمد الآن بصورة شبه كاملة على الموالين له من طائفته العلوية التي تهيمن على الرتب الكبيرة بالجيش، فكتائب النخبة التي يغلب عليها العلويون والقوات الجوية ما زالت كما هي إلى حد كبير، وتدعمها على الأرض الميليشيات التي تم تجنيدها على وجه العجلة -والتي يطلق عليها اسم الشبيحة- وهي المسؤولة عن معظم الفظائع التي ارتكبت ضد المدنيين. ومع تصاعد وتيرة العنف والوحشية تحولت الحرب أكثر فأكثر إلى نزاع طائفي، حيث ازدادت بين الأكثرية السنية كثافة الدعاية التي تصور العلويين على أنهم العدو، كما أقدمت بعض جماعات المتطرفين على استهداف العلويين.
ونتيجة لهذا، يتأهب الكثير من العلويين الآن للقتال إلى جانب الأسد، ليس عن اقتناع، بل خوفا من أنه إذا سقط فسوف يتم ذبحهم هم وعائلاتهم. ومن دون تطمينات بشأن مستقبلهم، فإن كتائب النخبة والقوات الجوية وأجهزة الاستخبارات والشبيحة سوف يواصلون القتال ببساطة لضمان الحفاظ على أرواح ذويهم، وربما يكون ذلك في إقليم علوي يقام وسط الجبال الساحلية.
والنظام بالتأكيد هو من يستحق اللوم على تمزيق النسيج الاجتماعي السوري، إلا أن هذا لا يساعد على إصلاح ما فسد، وكلما تقدمت المعارضة زادت مسؤوليتها عن إنقاذ الدولة وإعادة بنائها. وقد اتخذت المعارضة خطوة مهمة بتشكيل “الائتلاف الوطني لقوات المعارضة والثورة السورية”، وأصبحت لديها الآن قيادة تتمتع بالمصداقية واتصالات أفضل مع لجان التنسيق المحلية وغيرها من الجماعات المدنية داخل سوريا، كما حققت تقدما نحو توحيد القوات المتنوعة للجيش السوري الحر والجماعات المسلحة الأخرى تحت قيادة عسكرية واحدة.
ولكن بالتوازي مع النضال العسكري، فإن المعارضة عليها أن تقدم نفسها كبديل ذي مصداقية للنظام، ومن بين ما يحتاج إليه الائتلاف أن يبدأ في تقديم الخدمات في المناطق المحررة، خاصة عن طريق توزيع مساعدات الإغاثة على الأهالي واللاجئين. وفي الوقت ذاته، فإن الجيش السوري الحر لا بد أن ينأى بنفسه عن قوات المتطرفين، فزعماء المعارضة يقدرون بالطبع القدرة القتالية التي تتمتع بها هذه الجماعات، لكن من الناحية السياسية، فإن المعارضة لا تستطيع الانتصار بقوات من شأن تصرفاتها ودعايتها أن تعمق مخاوف أولئك السوريين الذين يعارضون النظام لكنهم يخشون من أن يؤدي سقوطه إلى المزيد من القمع وإراقة الدماء.
وبفضل تاريخهم الشخصي، فإن زعماء الائتلاف من أمثال أحمد معاذ الخطيب ورياض سيف وسهير الأتاسي مؤهلون لتقديم رؤية للتعايش إلى من ظلوا حتى الآن متمسكين بالنظام، خاصة العلويين. وقد كان تعيين علوي سفيرا في باريس إشارة جيدة، لكنها ليست كافية، لطمأنة الجالية العلوية بأنها سيكون لها مكان في سوريا ما بعد الأسد.
والأطراف الدولية الفاعلة لها تأثير حقيقي في سوريا، بل وحتى داخل صفوف المعارضة، والوسيلة الأولى لتقوية أولئك الذين يريدون بناء دولة سورية ديمقراطية وشاملة للجميع بعد رحيل الأسد هي توحيد ذلك الفيض القادم من الأموال والدعم المادي، وكلما زادت قدرة الائتلاف والجيش السوري الحر على دفع رواتب جنودهما وتدبير المعدات اللازمة، فإن الميليشيات والجماعات الأخرى سوف تمتثل لقيادتهما، مما قد يزيد من السيطرة المدنية على المكون العسكري للثورة، كما يضعف من الجماعات المتطرفة ويعزز من فرص قيام عملية انتقال سياسي.
—————————
* مدير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ببرلين – نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط