رؤية مختلفة للأحداث !

الحُولة.. شركاء في مذبح الطفولة

0

mhnbl svxizd 247بقلم: مهنا الحبيل
في رحلة الكفاح لنزاع الفكر والقلم ووجدانية الإنسان وتحليلية المفكر، تبقى هناك جدران من الأصل الفطري للخليقة لا تستطيع أن تنتزعها من جذورها، فترتّد إليها عند النظر إلى عالم الوحشية الذي حاول تاريخياً أن يُعطي رمزية للبشاعة لتصويره أمام ذات البشر، فإذا به يُصدم بأن هذه الذات موغلة في توحّشها الإرهابي بحيث أضحت أكبر من رمز الوحش الذي قد يُستأنس به أمام البشري الإرهابي.

وهنا نحن ندرك جيداً قِصص مذابح التاريخ الإنساني المعاصر حين تضِل روحه عن الفطرة فتنغمس في عُدوانية الظلم، ولذلك فإن قصص حروب الأميركيين الناعمة في قفازها على فيتنام وأفغانستان والعراق، وصربيا في البوسنة، والروس في القوقاز، وتل أبيب وحلفائها في صبرا وشاتيلا، هي من ذات البشاعة في ناتجها النهائي وهي من ذات التوحش وإن كانت الأعداد أكبر مثلاً في الحرب العالمية من ضحايا الشعب السوري، وهي أكبر في سوريا من بعض الحالات الأخرى، ومقارنتنا هنا تستدعي عمداً نموذج الحرب العالمية على هذا الشعب.

نفسية التوحّش.. من صنعها؟
لكن تبقى رمزية الوحشية القائمة في استهدافها المباشر تُجدد كل ذلك الإرث لتجعل نظام الأسد بالباطن الديني الإيراني الحليف يعود متصدراً قصة الإرهاب المتوحش، الذي يجعل تزمامارت بالمغرب وسجون الاحتلال الصهيوني على بشاعتها في مرتبة أقل بكثير, حتى إنّك تتساءل كيف صنعت كيمياء الكراهية المشتركة بين طهران ودمشق نفسية هذه المخلوقات, ففي شهادة المذبح الذي سرّبه أحد الناجين من مذبحة الحولة, كان الطفل الذي يرى بأم عينيه نحر الوريد لرفيقه بيد الشبيح وعسكري الأسد يقول لهذا المخلوق مناشداً: عمو من شان الله بدّك تسّن السكينة حتى ما أتعذب متل أخي. ثم يجذبه المخلوق ويكمل منحره.

هنا يقف الضمير الإنساني دون استيعاب التكوين الخلقي الأولي والمعرفي لهذه المخلوقات, ليس لأنّه يغفل عن تاريخ وارث البشرية حين تضِل عن الفطرة الإنسانية التي جبلها خالقاها عليها، ودليل ذلك اضطراب ذات الوجدان للغالبية الساحقة من فزع إثم الذبح والقتل أكان مؤمناً أو غير مؤمن, لكنّه يستيقظ لما سبق أن ذكرتُه على حقيقة الجغرافيا والجماعات البشرية التي تعامل معها ضمن هذا النظام أو ذاك, وهي جماعات ليس مقصود منها التعميم الظالم للانتماء الديني والطائفي لكل مُشتَرك مذهبي بين المخلوق المتوحش وطائفته.. كلا.

لكنَّه، وكما ذكرتُه في مقالات سابقة بأن الثورة السورية تُعيد بالكامل تفكيك الذات العربية الخادعة وشركاءها في “كانتونات” فكرية قومية أو جغرافية أرضية، وهنا مدخلان رئيسيان في هذه الحالة, الأول أن أحد أركان الشراكة المعلنة لمنفذي مذبحة الحولة وما سبقها من بابا عمرو وإدلب والرستن وحماة وغيرهم، وهو حزب السيد حسن الموالي لإيران في لبنان، قد قُدم طوال عقدين من الزمن كحليف لهذه المخلوقات واندمج معها، ثم طُرح على العالم العربي عبر دروسٍ مكثفة بأن هذا التجمع البشري هو ما يُطلق عليه محور الممانعة، وهو بذاته في هذين الفصيلين من ذبح أكثر من مائة من أطفال ونساء الحولة بالسكاكين.

شركاء النحر الفكري:
ولنا أن نتصور حجم التضليل الضخم الذي عاشته حالة الفكر العربي طوال هذه المدة في صناعة هذه الصنمية لهذا التحالف, وكم دفقت من أحبارٍ ومؤتمرات وقُبلت أقدام مادية ومعنوية للأسد والسيد حسن من شخوص فكرية وجماهير هتفت لهم، فكان صدى الهتاف حاضراً في مسلخ الأطفال في ريف حمص ودماء الطفولة, وبالتالي عبَرَ هذا التحالف المُتخلق إلى قلب الجغرافيا العربية في غِطاء من القصف الفكري العنيف لصالحهم، حتى تمكنت مستودعات الذخيرة المحشودة في ذواتهم من تفريغها في الشعب السوري.

أما المدخل الثاني المهم جداً لفهم كيف تسلل وتمكّن هذا التحالف وعُبّدت له الأرض ليتوحش على الإنسان والفطرة، فهو السؤال الذي انطلق من جديد بعد اندلاع الثورة السورية في 15 من مارس/آذار 2011, إنه قصفٌ عربي ثقافي تزامن مع القصف الإيراني استثمر حالة التبعية لمعسكر عرب الهزيمة والفساد الأميركي قديماً وحديثاً، فلم يصنع روحاً مستقلة بل أعلن حرباً وضجيجاً عاصفاً لتثبيت عُرى هذا التحالف الإيراني الأسدي، وما نعنيه هنا بالتحديد هو جيش مفكري ومثقفي الممانعة العرب، وبالذات الأصليون منهم، وليس ذوو مستوى الهواة ولو علا شأنهم في التصنيف الفكري.

هذا الجيش انتفض في المهجر وفي مصر وفي بعض البلدان العربية لمناصرة النظام بأسلوب آخر ضد الثورة السورية، ولم أُدرج هنا ما يُعتبر مليشيا إسناد مباشر للنظام كوضعية الأحزاب الطائفية في لبنان والعراق أو الخليج العربي, إنما عنيت تحديداً كتلة المثقفين الممثلين لهذا الجيش الإعلامي الذين نفّذوا بالفعل مذابح إعلامية ضد الثورة السورية وساندوا النظام في مساحة الداخل السوري المتردد الذي ربطهم به النظام تاريخياً, هذا الجيش الثقافي لعب دوراً رئيسياً في إعاقة الثورة، وكان في جزءٍ منه مُغفلا لكنّ الجزء الآخر كان جاداً في العمل على نقض الثورة وتفتيت الصف حولها، قبل أن يصدمه تقدم الثورة السورية لبرنامج الاستقلال القوي والممانع الحقيقي ذاتياً على الأرض لتحقيق النصر.

هنا نحن نربط حركة المذابح بذلك الجيش الثقافي لرسم مشهد واضح نفهمه لأنصار المذبح ولو لم يعلنوا مساندتهم للنظام, ولننتبه هنا إلى قضية مركزية مستمرة وهي دور هذه الفلول المشككة في الثورة حتى الآن في العمل باستماتة -ومنها صحيفة عربية كبرى في المهجر- على ردع تقدم الثورة والتحام باقي المدن، وهو جهدٌ يائسٌ بائس لكن عليه من كِفل الإثم والخطيئة ما لا يُمكن أن يُعزل في جدول المحاسبة الفكري والأخلاقي.

ومن المهازل المتنوعة لهذا الفريق أنّه ظل يُعيّر الثورة بعدم قدرتها على منازلة النظام، ثم حين تشكّلت أولى الفرق للدفاع عن المظاهرات السلمية أثار عليها الغبار بحمل السلاح, ثم حين حقق هذا السلاح توازنا ردعيا محدودا ضجوا عليه بالتدخل الدولي الذي لم يجرِ أصلا، ثم حين أُريد لهذا السلاح الوطني الشريف أن يستثمر تقاطعات الرعب من الزحف الإيراني عربياً أقاموا مأتماً للعروبة المنتهكة، وحين انسحب الخليج الرسمي وتبين حقيقة السلاح الذاتي عادوا يعزفون من جديد على أكاذيب الطائفية على الثورة الوطنية التي صمدت أمام حراب الوحشية -طائفية وعنصرية- وتمسكت بمشروعها الوطني السوري, وبكل تأكيد -وهذا ما لا يريد فهمه هؤلاء- هذه الثورة في بلد عربيٍ مسلم حضاري يطرح المواطنة للجميع، أما هُم فقد شرعوا فكريا للنظام توافقات طائفية تحكمها موازين الرعب لبقائه.

السكين الذابحة والثورة الحاسمة:
ومع وحشية المذبحة إلا أنّ قراءة الصعود الميداني للثورة لم يُكن بهذه القوة والوضوح كما يجري الآن، فهذا العلو الروحي الفدائي خلق بالفعل أمام مخلوقات التوحش ما يشبه ملائكية المقاومة والصمود، حيث تَعجب من قوة حراك هذا الشعب ودفعه بقوة للجيش السوري الحُر وحلفائه لإكمال المهمة, وبغض النظر عن تفاصيل ما أُثير عن خلية الأزمة وغياب بعض رموزها إلا أنّ هذا الجدل قد أغفل الأمر المهم قبله وهو تقدم الثورة إلى عمليات ميدانية مركزية، وصعود حضور فصائل الجيش الحر والمجلس العسكري في قلب دمشق وتوسعه، والمقاربة الشديدة للخطة الإستراتيجية الشاملة لتحقيق النصر الميداني في ظل وحدة نوعية في الداخل بين الحراك المدني والعمل العسكري، وليس مستغرباً أن يعمد النظام لاصطناع قاعدة لها وجود بمعرفته المخابراتية، حيثُ عبرت عبرهُ للعراق، أو تيسير اختراق لها لخلط الأوراق أمام الزحف الإستراتيجي.

لم يُسفر المشهد السوري عن وضوحه كما هو اليوم بأن قوة الزحف الميداني هي ما سيحسم ويُقلل الضحايا ويحفظ الوحدة الوطنية ويُهيئ لمشروع دولة الحرية المدنية, وهذه القناعة أصبحنا نراها عند كل طفل وامرأة لم تجفّ أعينهم من دمع مذبح أقرانهم وعند كل شيخٍ وعجوز من ذوي الشهداء في رسالة لخاتمة القرارات للشعب السوري.. سلاحك.. سلاحك يُنجز مهمتك ويقتص لشهدائك.

وهذه الدعوات المرتفعة والمتزايدة لدعم تسليح الثورة السورية شعبياً، خاصةً بعد تخاذل دول الخليج العربي، أمرٌ في غاية الأهمية والوعي الإستراتيجي ولكن يجب التشديد على عدم إعطاء أي فرصة لتسلل هذا المال لصناعة جماعات منفصلة عن جسم الثورة العسكري القائم على تحالف الجيش السوري الحر والمجلس العسكري ومعهم فصائل عديدة في خطة واضحة للحسم العسكري, ومن الضرورة بمكان ضبط هذا الأمر وتحديد جهات التلقي من القيادة الشرعية ومنع أي إمكانية لتولّد جماعات أو اختراقها لبلبلة صفوف الثوار، بل التركيز على الوحدة الميدانية القائمة وجسمها الرئيس الذي ذكرنا، مع معرفة وضع الساحة وورود الاختلافات في المهام في ظل الحصار الشرس على الثورة السورية التي يتقاطع فيها الغرب والروس وتل أبيب وطهران ويسعى أنان لتنفيذها, لكن يبدو بجلاء أن زمن الاحتواء قد فات وأنّ الثورة بعون رب الشهداء الأطفال في طريقها الجازم لتحقيق النصر وإقامة القصاص العادل, فقد أضحى منعطف الحُولة وذمام الأطفال نُصباً لحسم خاتمة الجولات.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق