رؤية مختلفة للأحداث !

العرب: بين الحروب وأدوار الدول المحيطة

0

تاه العرب في 22 دولة عربية، فتحولت كل منها لأزمة أمن وحقوق، وازمة حدود وأطماع وتناقضات عرقية ودينية وطائفية وإقليمية ودولية.

بقلم: شفيق ناظم الغبرا

تستمر سلسلة الحروب في قلب العالم العربي، بعض هذه الحروب تبدو وكأنها في الطريق للانتهاء، لكنها في حقيقتها غير قابلة للتوقف بقدر ما إنها تتحول نحو أشكال مختلفة من المواجهات.

إن طبيعة الوضع العربي وتناقضاته تسهل قيام الحروب ولا تحد منها على الإطلاق. التحديات العربية تأتي من عناصر كثيرة منها أن بنية الدول العربية المكونة من 22 دولة التي تتحدث ذات اللغة إلا أنها تختلف فيما بينها على قضايا عديدة بينما تطوقها من جانب الحركة الصهيونية وتحيط بها من جانب آخر القوة الصاعدة والثابتة للدولة التركية والدولة الإيرانية.

القومية العربية غير مكتملة التكوين والتشكيل، وهذه نقطة ضعف أساسية في بنية العالم المتشكل من دول. فقج تكونت القومية التركية في حاضنة واضحة وتشكلت القومية الإيرانية هي الأخرى في كيان جمع بين الدولة والامة.

وبينما تقيم الصهيونية عقيدتها على تحويل الدين اليهودي (الذي لم يكن يمثل قومية) لقومية يهودية مستمرة في تمددها، الا أن العرب هم القومية الوحيدة في هذا الإقليم (إضافة للكردية) التي لم تتشكل في دولة أمة.

تاه العرب في 22 دولة عربية، فتحولت كل منها لأزمة أمن وحقوق، وازمة حدود وأطماع وتناقضات عرقية ودينية وطائفية وإقليمية ودولية.

وتنفجر الحرب في الاقليم مرة أو مرات كل عدة اعوام، حروب العرب واسرائيل جانب رئيسي من الصورة، لكن هناك حروبا كحرب العراق مع إيران عام 1980، وقبلها حرب مصر في اليمن في ستينات القرن العشرين، ثم حرب صدام في احتلال الكويت عام 1990، ثم الحرب المضادة لاحتلال صدام عام 1991 من قبل تحالف دولي، ثم احتلال الولايات المتحدة لكل من أفغانستان والعراق في 2001 ثم 2003.

ويجب ان لا ننسى الحرب الأهلية اللبنانية والتدخل السوري في لبنان والحرب الاهلية في السودان التي حصدت مئات الالوف، كما والحرب الأهلية الجزائرية في ثمانينيات القرن العشرين بالإضافة لحروب أخرى حدودية ومناوشات بين دول عربية عدة.

ان مشهد الحروب منذ 2011 استمر مخاطبا الحروب السابقة، فالحرب السورية التي تحولت أهلية وعسكرية ثم الليبية بعد سقوط نظام القذافي، والحرب في العراق التي استمرت بعد تغير النظام وحرب داعش والدولة الإسلامية، وحرب اليمن، وحروب إسرائيل على غزة منذ 2008، كلها حروب خاطبت الضعف العربي وتناقضات القوة في الساحات العربية.

إن حصار قطر كما وقع أسلوبا وروحا شكل من اشكال الحرب. وما يقع في سيناء في مصر شكل آخر للحرب.

الحروب الجديدة هي الاخرى ممكنة. على سبيل المثال الوجود الروسي ثابت في سوريا وكذلك وجود للولايات المتحدة، بينما يستمر الوجود الإيراني ويزداد تخندقا على أكثر من صعيد، اما الوجود التركي فهو مثبت ومتخندق في شمال سوريا.

صراع القوى في سوريا مرتبط بموازين القوى وبالنزاع بين مصالح واحتياجات هذه الدول. كل هذا يجعل من سوريا مركز استقطاب ونزاع لا حل قريب له.

الحل في سوريا سيبدو في جانب منه حل بين هذه القوى، بحيث يطرح تصوراتها ويعالج حاجاتها ويلبي التعامل مع مخاوفها، لكن بنفس الوقت إن عدم الاتفاق بين هذه القوى سوف يعني استمرار الصراع الذي يتضمن امكانية مواجهات عسكرية.

وضمن هذه التوازنات يبحث الشعب السوري الذي نكبته الحرب عن مكانه ودوره وحقوقه، كما تبحث الدولة السورية عن استمرارها بين ديكتاتورية مقيتة وبين حاجات المجتمع لعقد جديد.

ومن الواضح أن إيران لم تعد في جنوب لبنان فقط،، بل امتد دورها لمناطق محاذية لإسرائيل في الجانب السوري، فإسرائيل تتواجه مع واقع جديد على حدودها. إن إيران وحزب الله ليسوا في صدد الانسحاب من تلك المناطق.

بل يمكن التأكيد وربما يصح القول بوجود صفقة أمريكية روسية على حساب الدور الإيراني في سوريا، لكن إيران من جهة اخرى ستتمترس وستجد طريقها في التعامل مع روسيا، خاصة وان روسيا ليست في صدد تلبية المطالب الأمريكية.

الامور متداخلة، فالقرار الإيراني للمشاركة في الصراع العربي الاسرائيلي أخذ في زمن سابق وقديم، فبعد الثورة الإسلامية في إيران، وبعد بدء الحرب العراقية الإيرانية، وبسبب عجز العرب عن مواجهة التقدم الاسرائيلي باتجاه بيروت وجدت إيران فرصتها عندما قامت إسرائيل بغزو لبنان عام 1982.

إيران قامت بتعبئة الفراغ الناتج عن خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان. قامت سوريا ايضا من جهتها بتعبئة الفراغ لكن التطابق بين سوريا وإيران لم يكن شاملا.

يبدو ان إيران في ذلك الوقت وجدت ان فراغا سينشأ وأن تعبئته تتطلب عدة قوى، وانها مواجهة الغرب والولايات المتحدة والعقوبات الدولية ستتطلب موقعا مؤثرا في الحدود مع دولة اسرائيل، ومن هنا علاقة الثورة الإسلامية في إيران بنشوء حزب الله بصفته اداة مقاومة للغزو الاسرائيلي، لكن بصفته امتدادا لدور إيران في المواجهة مع اسرائيل.

الإستراتيجية الإيرانية منذ 1982 وبصورة أدق منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية في 1991 حولت تواجدها الحدودي في الجنوب اللبناني لأداة ضغط واضحة على اسرائيل.

إن صراع الموازين وصراع عض الأصابع بين إيران وعدد من الاطراف الدولية انطلق نحو لبنان، وهو نفسه وفي ظل ظروف اخرى انطلق نحو الاراضي السورية.

الفراغ العربي مهد للدور الإيراني، ومهد للدور التركي، لكن قبل ذلك مهد للدور الاسرائيلي العسكري والسياسي الذي اقتحم عوالم العرب ودمر الكثير منها ووجه لها الضربات عبر سلسلة من الحروب منذ العام 1948.

هذه الأدوار فتحت الباب للدور الأمريكي السياسي والعسكري والامني في العالم العربي وفي منطقة الخليج، ثم للدور الروسي القادم من بعيد. في مناطق العالم العربي لم ينجح ابناؤها أو نخبها وقادتها في قيادة مشروع يشمل العرب او أجزاء اساسية منهم، لهذا سيبقى الفراغ سيد الموقف.

وتكمن المشكلة العربية في فراغ القوة الذي تعيشه الدول العربية، فهي ضعيفة بحكم حجمها الجغرافي وطبيعة حدودها وطبيعة مشروعها القطري المنكفئ على ذاته او الذي يزداد تركيزا على أمور تمس مصالح ضيقة.

كانت في السابق الاقطار العربية في كل من فلسطين وسوريا والاردن ولبنان تشكل سويا بلاد الشام، وكانت مصر مع السودان وحدة واحدة، وكانت مناطق مختلفة من الخليج تشكل وحدة واحدة في مراحل ممتدة وذلك من خلال تحكم كبرى القبائل بمكوناتها.

هناك ضرورة لمشروع عربي يعظم التداخل بين العرب ويطور الحقوق والمساءلة، ويضمن استقلالية القرار العربي أصبحت قضية حياة أو موت لأمة ممتدة وشعوب تزداد اختناقا.

* د. شفيق ناظم الغبرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت.

المصدر: القدس العربي

مفاتيح: العرب، القومية العربية، الدولة الأمة، المشروع العربي، القومية الإيرانية، القومية التركية، الحركة الصهيونية، ملء الفراغ العربي، حروب إقليمية،

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق