بقلم:راجح الخوري
يقاتل الإيرانيون بقواتهم وأذرعهم العسكرية اللبنانية والعراقية في سوريا لحماية نظامهم قبل حماية نظام بشار الأسد. كان ذلك واضحا منذ بداية الانتفاضة في درعا، فمع خروج المظاهرات المطالبة بالإصلاح، بكّرت
طهران بوصف المتظاهرين بأنهم حفنة من المدسوسين من إسرائيل وأميركا لتخريب النظام وضرب محور المقاومة.. حدث ذلك تقريبا عندما كان الأسد يطمئن نفسه وأركان نظامه بالقول إن رياح التغيير التي تعصف في الدول العربية لن تصل إلى سوريا و«من لا يصدق فهو لا يعرف الشعب السوري»!
لكن سرعان ما تبين أن الأسد هو من لا يعرف هذا الشعب الذي انفجر بعدما تعرض للاضطهاد أربعة عقود. وعلى امتداد سبعة أشهر كانت سوريا تشهد ما بين 200 و300 نقطة تظاهر يوميا، في حين أصر هو دائما على القول إن المتظاهرين هم حفنة من العملاء المأجورين والإرهابيين المدسوسين وإن الجيش سيعرف كيف يقمعهم.
الصورة من طهران لم تكن مريحة لنظام الملالي منذ اندلاع الثورة، لأنهم يعرفون أن خسارتهم سوريا ستؤدي في النهاية إلى عزلة نظامهم في إيران التي تعاني من أزمة اقتصادية متصاعدة ومن احتقان اجتماعي، خصوصا بعد قمع «الثورة الخضراء» بالقوة، وليس سرا أن انهيار القاعدة السورية في جسر المصالح الإيرانية الممتد من مشهد في شمال شرقي إيران إلى جنوب لبنان، مرورا بعراق نوري المالكي، سيشكل كارثة تلحق بهم، فالنظام السوري هو خط الدفاع الأول عن النظام الإيراني وسقوطه سيفقد طهران مواقع نفوذ وأوراقا حيوية عملت ثلاثة عقود على ترسيخها.
عندما بكّر المرشد علي خامنئي بالقول: «لن نسمح بسقوط النظام السوري» بعد اتساع سيطرة المعارضة على الأرض، كان واضحا أنه يتخوف من أن سقوط الأسد سيؤدي فورا إلى سقوط قواعد النفوذ الإيراني في اتجاهين:
– غربا عبر انهيار العلاقة مع حركة حماس وانقطاع خطوط الإمداد مع حزب الله بما يفقد طهران التماس الميداني مع القضية الفلسطينية التي طالما استعملتها للمزايدة على العرب، وبما يؤدي أيضا إلى سحب أقدام الإيرانيين من مياه المتوسط في غزة ولبنان ويفقدهم ورقة ضغط حيوية في المسألة النووية.
– شرقا بما يؤدي إلى انهيار حتمي لحكومة نوري المالكي التي تديرها طهران بعدما أورثتها المخططات الأميركية العراق، توصلا إلى كشف الغطاء عن بئر الأفاعي وإيقاظ كل الكراهيات المذهبية في المنطقة، فإذا وصلت الأمور إلى هذه النهايات، فسيؤدي هذا إلى انحسار نفوذ إيران في المنطقة ويعيدها إلى الضفة الفارسية، وعندها سيواجه الملالي طوفان مشكلاتهم الداخلية.
على طريقة الأوعية المتصلة، كان واضحا دائما أنه كلما كسبت المعارضة السورية موقعا من النظام، ازدادت المخاوف الإيرانية. ومع الإعلان عن بدء «معركة دمشق» قبل خمسة أشهر، قررت طهران أن تدخل المعركة بكل قوتها وأن تزج فيها بحزب الله و«عصائب أهل الحق» و«كتائب أبي الفضل العباس».. وفي هذا السياق، تؤكد تقارير موثوقة أن الدبلوماسي الإيراني المعارض فرزاد فرهنيكان كشف خلال مشاركته في المؤتمر الدولي لنصرة المعارضة الإيرانية الذي عقد في جنيف، عن اجتماع للقيادة العليا الإيرانية ضم المرشد علي خامنئي وعلي لاريجاني وعلي أكبر صالحي وسعيد جليلي وحيدر مصلحي وأحمد وحيدي وقادة الحرس الثوري، واتخذ قرارا مفاده، أن سقوط نظام الأسد أو حكومة نوري المالكي هما خط أحمر لا يمكن القبول به، وأن حدوث ذلك يعني «إعلان الحرب على إيران»، وهو ما أشار إليه خامنئي شخصيا.
يقول الدبلوماسي الإيراني المنشق إن الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون دقيقة وخطرة على منطقة الشرق الأوسط، لأن طهران قررت شن الحرب على جبهتين؛ سياسية للتمويه، وهي التي حملت علي أكبر صالحي على زيارة عواصم عربية وتكثيف الاتصالات لكسب «مصر الإخوان».. وعسكرية دفعت بحزب الله إلى المعركة بإعلان صريح من حسن نصر الله، الذي تردد أن خامنئي طلب منه الانخراط كليا في الحرب «ومهما كان الثمن»، كذلك زجت بالعراقيين في المعارك، ونشرت الصحف الإيرانية صورا للمتطوعين أمام مقرات قوات التعبئة التابعة للحرس الثوري لتسجيل أسمائهم بغية القتال في سوريا.
إضافة إلى هذا، يقول فرهنيكان إن طهران طلبت من الحوثيين القيام بعمليات تخريبية في اليمن، فكان الهجوم في صنعاء قبل أيام، كما طلبت افتعال صدامات حدودية جديدة، وإشعال الساحة في البحرين.. وفي السياق «إياه» طلبت من قادة «القاعدة» المقيمين في طهران والمتعاطفين معها تحريك الخلايا التخريبية في دول مجلس التعاون الخليجي لخلق حال إلهاء خلفية تساعد الأسد على تعويم نفسه ميدانيا.. لكن الدخول إلى المستنقع الدموي في سوريا قد يبتلع إيران قبل غيرها، والقصير مجرد بوابة إلى الجحيم.