أحمد شيخون
إن المراقب للشأن الإيراني يرى أهمية بقاء إيران في المشهد العالمي كمنطقة عازلة للعرب في وجه التطلعات الاستعمارية وهي حقيقة يجب الاعتراف بها، ولذلك فإن محو إيران من الخارطة الدِّولية ليس بالأمر الهين والمرغوب للساسة للعرب وإنما المطلوب تغيير أشخاص وأطماع وليس طمسًا للهوية.
فالمتابع للشأن الإيراني عن كثب يلحظ أن مع اندلاع الانتفاضات الشعبية عقب تردي الحالة الاقتصادية التي انتابت البلاد، وذلك على النقيض الآخر من تضخم لثروات الفاشية الدينية في ظل الفقر المدقع لأغلبية الطبقة الوسطى التي كادت أن تختفي في لمحة من البصر، تشير بجلاء إلى أزمة في البلاد ورغبة مؤكدة لدى الشعب في ضرورة التغيير، لكن التغيير لصالح مَن؟ وكيف يتحقق؟ هذا هو السؤال الذي يجيب عليه الشعب الإيراني وقيادته.
لكن، مَن يظن أن نظام آية الله الإيراني يتهاوى وأنه ساقط زائل … واهم وينظر للأمور من خارج دائرة فقه الواقع، فهو نظام قوي في هيكله وأجهزته، كما أنه يمثل فصيل متمكن متمرس يسوس البلاد والعباد كيفما يشاء وفقما يريد ووقتما يريد ذلك، وليس سهلا على العامة إزاحته من خلال المظاهرات الحاشدة، لأنه نظام يضرب بجذوره في جنبات المجتمع ككل، لكن يبدو أن الحراك الشعبي له دور كبير في هزِّ الكرسي من تحت أقدام ملالي إيران خاصة وأنه على غرار ما حدث في عام 2009م المنصرم، ولذلك فليس بمستبعد أن يحدث تغيرا، لكن ما هو شكل هذا التغير آنذاك يا ترى؟
هناك أربع احتمالات لا خامس لهم يمكن أن تشكل المشهد الإيراني نتيجة للانتفاضة الشعبية، وأولها أن ينجح الأمن في قمع المظاهرات مستخدمًا الترسانة العسكرية الغاشمة التي لا تتورع في قتل المتظاهرين حتى أمام كاميرات الهواتف النقالة وتناقلها هنا وهناك، وثانيها أن يقوم النظام بعمل بعض التضحيات من أجل استيعاب أزمة القمع المنتشرة في الشوارع المنتفضة ضده، كأن تتم إقالة الرئيس روحاني وحكومته، وثالثها أن تتضخم المظاهرات أكبر وأكبر لتخرج عن دائرة إمكانيات الدولة وسيطرتها، مما يجعل بعض الفئات تستفيد من فورتها وتركب الثورة ومن هذه الفئات الحرس الثوري أو خصمه الجيش، للهيمنة على الحكم، لكن أخطر الاحتمالات التي لا نريدها نحن العرب والمستبعد حدوثه، أن ينهار النظام ويصبح الوضع مثل سوريا وليبيا، وهو أخطرها على المنطقة بأسرها، لأنه يساعد على تذبذبها وانهيارها مما يفت ذلك من عضد الجيران.
إن النظام الإيراني يرى الصورة بوضوح ناصع، كما أنه من البديهي أنه يراجع نفسه بشكل دوري ويرى أن ما يحدث من اضطرابات معادية لحكم طهران موجعة تجعل ثقة غالبية الإيرانيين تهتز في حكومته، ولذلك فهو مضطر لمراجعة سياسته حتى لو تمكن من القضاء على الانتفاضة، فهو مجبر على مراجعة نفسه من أجل تفاديها مستقبلا والوقوف على أسبابها قبل تفاقمها مرة أخرى.
لكن الطامة الكبرى إذا خرجت القضية عن أيدي الملالي فإن الأمر سيسوء ويتطور إلى تدمير المنطقة، وذلك سواء باقتناص فريق ما الحكم وتصريف الأمور، أو انهيار النظام ككل وهو ما يشكل أبعادًا خطيرة على المنطقة – كما نوهنا آنفا – تتمثل في حدوث فوضى عارمة وارتباكات وتهريب للأسلحة من إيران لا يعرف مكان تهريبها إلى أين؟ ولمن توجه؟ مما يجعل المنطقة العربية ككل على فوهة بركان يستغلها أعداء المنطقة في تدميرها من أجل الخلاص منها وإبادتها، عن طريق إنهاكها في حروب وصراعات داخلية، وهو ما ليس بمستبعد عن الغرب.
لكن تبدو الصورة المثالية للعرب في الأزمة الإيرانية هو محاولة إيران تغيير سياساتها الخارجية والتوقف الفوري عن المشروع – من النيل للفرات -، وهو ما تعول عليه القوة العربية من نجاح الانتفاضة الشعبية وإجبار النظام على التحول إلى الإصلاح الداخلي والتنمية، فهذا هو الخيار الأمثل مقارنة بالمشهد المخيف فيما لو انهار النظام الحالي ووقعت الدولة في براثن الشرك الغربي كمثيلاتها من الدول العربية.
إن المشكلة التي تواجه العرب في تحقيق هذا الحلم هو القيادة الإيرانية ذاتها، فالجميع يتصور أنها قيادة سياسية مرنة يمكنها أن تستجيب للمطالب الشعبية بصدر رحب، لكن الواقع أصدق، فالوضع سيء هناك فطبيعة النظام في طهران ليست مدنية قادرة على تغيير نفسها، بل دينية شيعية أمنية، أي دينية شيعية فاشية، ولذلك من الصعب تصحيح أفكاره وخططه ورؤيته للعالم من حوله، وعليه إن استطاع مسايرة الانتفاضة وتنفيذ مطالبها فسيكون في مأمن من شرورها، لكنه إن عاند وقرر مواجهة المتظاهرين بالرصاص وربما بأكباش فداء يضحي بهم لإسكات الغاضبين، فإن ذلك سيزيد من فرضية الانفجارات الشعبية حتما.
إن الحرس الثوري وملالي إيران ينتابهم الغرور في تصرفاتهم سواء مع الشعب أو مع الدول المحيطة بهم ورغبتهم في تحقيق إمبراطورية إقليمية شيعية تتمكن من توسيع نطاقها الجغرافي على حساب الجيران، لتزاحم القوى الدولية وتهدد مصالحها في الشرق الأوسط، من خلال التضييق على دول بعينها، مثل: السعودية وتهديد إسرائيل، وخوض عدة حروب في وقت واحد، في بلد يعاني شعبه الفقر المدقع، فهل تستطيع إيران تحقيق أهدافها أم آمالها ومخططاتها ستتحطم على صخرة الوضع الاقتصادي المنهار الجاهز للانفجار؟