رؤية مختلفة للأحداث !

سوريا.. معركة بقاء!!

0

mhrsh nebci 830بقلم: محمد رشيد
لا يبدو المبعوث الدولي كوفي عنان أفضل حالاً من الفريق السوداني محمد أحمد الدابي وقبله الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد نبيل العربي وهو أقرب الى “اللعنة” السورية منه الى النجاح، ويبدو قدراً على الشعب السوري ودمه الطاهر الزكي كشف “عورات” وضعف المنظمة الدولية ونفاقها، كما فعلت ذلك من قبل مع الموقف العربي، في ظل انحدار هيبة ومصداقية المنظمة الدولية في عيون الشعب السوري.

وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه توعّد بموقف فرنسي صارم ليوم الامتحان في الخامس من ايار/مايو، وهو موعد تقديم كوفي عنان تقريره الى مجلس الأمن الدولي عن مدى التزام طرفي الصراع في سوريا ببنود مبادرته، وما يتعلق تحديداً بوقف إطلاق النار وسحب قطاعات وآليات جيش النظام من المدن والبلدات السورية.

وعيد جوبيه لم يعد يخيف نظام بشار الأسد، وهو وعيد يتكرر منذ خمسة عشر شهر دون خطوة عملية واحدة، وعلى العرب اليوم اكتشاف “وهم” ساركوزي، فما شهدناه في ليبيا غير قابل للتكرار في سوريا، لأن “الكبير” الروسي معترض و”الكبير جداً” الامريكي غائب، ومع ذلك لم تترك موسكو ذلك “الوعيد” يمر مرور الكرام، فألقت حجرها الثقيل لتعكير المياه، متهمة المعارضة السورية باللجوء الى الارهاب وعدم الالتزام بواجباتها إزاء مبادرة عنان، ثم أضيف اليها “كذبة نيسان المتأخرة” بالإعلان عن ضبط باخرة سلاح للمعارضة قادمة من لبنان!
لا شيء تغير في لعبة الاستقطاب الدولي حول الأزمة السورية، والتي باتت مربوطة بمساومات دولية اخرى لا علاقة للشعب السوري بها، وبدرجة كبيرة أيضاً بأوضاع داخلية وانتخابية لعدد من الأقطاب الدوليين الكبار، ولمصالح وتحالفات أقطاب إقليميين خاصة إيران وتركيا وإسرائيل ولكل من هؤلاء مصالح في سوريا، وأهداف إقليمية تتخطى حدود سوريا.

والحقيقة أن التغاضي والتعامي الأمريكي عن دماء السوريين قد تكون، وأشدد على كلمة “قد تكون” في حسابات قادة الحملة الانتخابية للرئيس باراك أوباما بهدف تجنيبه بعض المخاطرة مهما كانت صغيرة، وهو يخطو على الصفائح الساخنة لحملته الانتخابية، ولو سئل رئيس الحملة الانتخابية للرئيس الامريكي، أيهما أفضل لديك، احتمال خسارة بعض الاصوات الانتخابية، أم منع قتل عشرة آلاف سوري من قبل نظام بشار الاسد؟ فإن الجواب سيكون: “نحتاج الى انتخاب الرئيس لتحقيق الديمقراطية في سوريا”، على مرارتها، تلك هي الحقيقة الامريكية لمن لا يعرف، ولا أحد يستطيع مناقشة مشروعية ذلك.

الأمر ليس مختلفاً عبر الأطلسي، فالاتحاد الأوروبي يملك من الحصافة البلاغية والحجج ما قد يقيد اللسان عن السؤال، لكنه اتحاد يتميز بعجز مثير للشفقة في ظل غياب الدور الامريكي الفاعل، وأوروبا تحولت الى بنك كريم يدفع دون مقابل، لتغطية متطلبات السياسة الامريكية حضوراً او غياباً، وإلى وسادة امتصاص الصدمة مع روسيا الاتحادية في كل قضايا الخلاف الدولية.

واقعياً لا تملك الثورة السورية أي غطاء دولي، بل عليها الاستعداد جيداً لإلقاء كل الأحذية القديمة في وجه من يجرؤ من دول وحكومات الغرب على الادعاء مستقبلاً أنه دعم او ساعد ثورة الشعب السوري على الانتصار، فليس لهم أي فضل او جميل يرد مستقبلاً، بل عقاب طويل لسداد ثمن جرائم ومجازر ارتكبت تحت سمعهم وبصرهم في “محرقة” القرن الواحد والعشرين، دون ان يكون لأي منهم ادعاء الغفلة والجهل.

هذا الواقع الدولي المؤلم والمقزز للغاية يحول الأنظار مرة أخرى باتجاه العرب، وأكثر تحديداً باتجاه المملكة العربية السعودية ودول قطر والكويت والامارات، فليس في ظهر الشعب السوري المكافح والمضحي غيرهم، ودماء السوريين تفرض نفسها بقوة على أجندة العمل اليومي لهذه الدول، في ظل معادلة واضحة، انتصار الشعب السوري او مواجهة الخطر الايراني.

نطاق الموضوع خرج كثيراً عن العواطف الاسلامية والنخوة العربية، وأنه اليوم جزء أساسي من الحسابات الاستراتيجية ليس للملكة العربية السعودية وقطر فحسب، بل إن دول الخليج سوف لن تستطيع سداد فاتورة تأمينها إن لم يسقط نظام بشار الاسد، فلا خيار ثالثاً بين هزيمة هذا النظام او التهديد والسطوة الإيرانية على رقاب شعوب دول الخليج العربي.

وإنه لمن المؤسف حقا رؤية أمة اعتادت لعصور على سياسة صد العدوان و”محو آثاره”، ولم تقتنع يوما ان ردع العدوان افضل وأقل كلفة كثيرا من صد العدوان، ومن المؤسف حقاً رؤية مصر الثورة التي حركت كل سواكن السوريين وغيرهم تقف عاجزة عن دعم سياسي حيوي وفعال لثورة الشعب السوري، ومثلما ألهمت الثورة المصرية الشعب السوري، فإن الموقف المصري يسبب الكثير من الإحباط والألم لهذا الشعب وثورته.

وربما كان على دول الخليج إعادة “صب” المفاتيح العربية “مصر والأردن” الاقليمية “تركيا” في قوالب جديدة، فتركيا وحدها القادرة على تحقيق حالة من التوازن الحقيقي مع النفوذ والتأثير الروسي الايراني في الحالة السورية، ودون ضمان جبهة تركيا سوف لن يخاطر الأردن بكل المصاعب الاقتصادية التي يعانيها، لكن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، ومثل أية حكومة منتخبة تضع عينها على معدلات التنمية والنمو الاقتصادي وتكاليف أي قرار سياسي استراتيجي، باختصار، تركيا أردوغان لا تريد ولا تستطيع تحمل العواقب الاقتصادية لتكاليف الاندفاعة السورية.

الحقائق دائماً مؤلمة، وحقائق الموقف الراهن لا تختلف عن ذلك، فإذا لم يسقط نظام بشار الاسد بفعل هذه الثورة الدموية، فإن نظماً أخرى ستصبح في دائرة خطر السقوط، او على الاقل ستتحول الى دول رهينة تحت قبضة التهديد الايراني الراغب في التوسع والهيمنة، وستصبح دولاً “مخطوفة” لإرهاب نظام بشار الاسد.

هل هي معركة بقاء؟
نعم إنها معركة بقاء بين نظام يقتل شعبه ويمد لسانه متحدياً وساخراً من العالم، وبين شعب وضع كل مقدراته في كفة هذه الثورة وقدّم لها كل ما يستطيع ويملك، وهو لا يملك إلا دمه، بين تحالف دولي وإقليمي قد يكون له ظهير مؤثر عبر مرتفعات الجولان، وبين حلف يكتفي بالكلام في ظل استمرار النزيف السوري اللامحدود قرباناً على مذبح الحرية والكرامة.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق