رؤية مختلفة للأحداث !

صراعات التجارة العالمية

0

مبادىء التجارة الحرة وتحرير الأنظمة الاقتصادية الحاكمة من الحمائية أسست على توظيف أفضل البدائل الاقتصادية بمختلف القطاعات والبلدان من أجل تحقيق الكفاءة وضبط التكاليف الإنتاجية. لكن الولايات المتحدة لا تتمتع بميزة تكلفة العمالة النسبية، فهل تأخذ منظمة التجارة الدولية هذه المسائل بنظر الاعتبار؟

بقلم: عامر ذياب التميمي

ربما ستطغى الصراعات الاقتصادية على العلاقات السياسية بين الدول الرئيسية في عالمنا هذا على أمد زمني غير قصير.. تمثل القرارات والإجراءات التي تعمل بها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الولايات المتحدة أهم التحديات لفلسفة العولمة والتجارة الحرة منذ قيام منظمة التجارة الدولية ومن قبلها اتفاقيات الغات.

لم يخطر ببال الصينيين أن تفرض الولايات المتحدة ضرائب جمركية تصل إلى 25 في المئة على صادراتها السلعية، كما أن الاتحاد الأوروبي لم يتحسب لمثل هذه التعرفات الجمركية على صادراته إلى الولايات المتحدة من الحديد والصلب، وربما قريباً صادراته من السيارات.

فقد بُنيت فلسفة العولمة على مبادىء التجارة الحرة وتحرير الأنظمة الاقتصادية الحاكمة في مختلف الدول من الحمائية وتعزيز الميزات النسبية التي يمكن أن ترتقي بالجودة وتوفر للمستهلكين السلع والبضائع والخدمات بأسعار مناسبة وتحفيز البلدان للاهتمام بأنشطتها وقطاعاتها المتميزة.

في طبيعة الحال، هذه الفلسفة الاقتصادية لابد أن تؤثر في مصالح فئات من رجال الأعمال وكذلك الشركات في عدد من القطاعات الاقتصادية، وقد تدفع فئات عمالية إلى البطالة.

لكن هذه المبادىء أسست على توظيف أفضل البدائل الاقتصادية بمختلف القطاعات والبلدان من أجل تحقيق الكفاءة وضبط التكاليف الإنتاجية.

بيد أنه في خضم التطور نحو العولمة برزت ملاحظات مهمة من أهمها شروط توظيف العمالة في بلدان عديدة تفتقر إلى القوانين والأنظمة التي تحمي مصالح العاملين.

توجد تحفظات على التشغيل في بلدان ناشئة ونامية، وحتى الصين، تشير بأن هذا التوظيف يكاد يكون بمثابة نظام السخرة والعبودية ولا توجد معايير وشروط وحدود دنيا للإجور أو ساعات العمل وحقوق عديدة أخرى مثل تأمين الرعاية الصحية وغير ذلك من أمور.

لذلك عندما تبلغ تكلفة ساعة العمل في مصانع السيارات الأميركية ما يراوح بين 50 إلى 60 دولاراً فإن ذلك يشمل امتيازات عديدة للعاملين لا يمكن توفيرها في بلد مثل الصين حيث يمكن أن لا تتجاوز تكلفة العامل في الساعة 5 دولارات.

وبالتالي ستجد الولايات المتحدة إنها لا تتمتع بالميزة النسبية المتعلقة بتكلفة العمالة، فهل تأخذ منظمة التجارة الدولية هذه المسائل بنظر الاعتبار؟

هناك، من جانب آخر، عوامل قد تجعل من العملية الإنتاجية لسلعة معينة غير ذات جدوى في بلد معين لا تتعلق فقط بتكاليف العمالة.

ويمكن أن تنطبق على الولايات المتحدة التي فقدت ميزات إنتاج العديد مما تميز الولايات المتحدة وعدد من بلدان الاتحاد الأوربي بقدرات هائلة في الإنتاج الزراعي والحيواني.

ويمكن لمزارع واحد معتمداً على تقنيات الإنتاج الزراعي الحديثة أن ينتج كميات من الخضروات والفواكه والحبوب أكثر بكثير من عشرات المزارعين في بلدان نامية عديدة.

هذه العمليات الإنتاجية تحظى بدعم مهم من الحكومات في البلدان الرئيسية، فهل يمكن سياسياً وقف هذا الدعم من دون صداع وبما يمكن المزارعين في البلدان النامية مـن المنافسة؟

لا شك في أن هذه الاعتبارات عطلت التوافق بين الدول الأعضاء في منظمة التجارة الدولية على مدى السنوات الماضية من خلال المفاوضات الدورية.. هناك الخدمات المالية التي تتفوق فيها بلدان على حساب بلدان أخرى مثل بريطانيا التي تعتبر من أهم المراكز المالية المتميزة في هذا العالم…

ربما يؤدي الاستخدام المتسارع للتقنيات الحديثة في الأعمال الإنتاجية والخدمات إلى تقريب التكاليف والتوظيف الأمثل للبشر في مختلف البلدان لكن تظل هناك عوامل الديموغرافيا والأوضاع الاجتماعية المتفاوتة بين البلدان من الأمور التي قد تؤثر في مسيرة العولمة المستحقة وتحفز الشعبويين لمناهضتها.

*عامر ذياب التميمي باحث وكاتب اقتصادي كويتي

 

المصدر: الحياة

مفاتيح: صراعات اقتصادية وسياسية، حروب التجارة، إدارة ترامب، الصين، قوانين العمل والعمال، العولمة، التجارة الحرة، منظمة التجارة الدولية، جمارك ورسوم، الاتحاد الأوروبي،

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق