بجانب تصاعد المد اليميني العنصري في الغرب، يتصاعد أيضًا الحس الإنساني الرافض للعنصرية في أوساط شعبية كبيرة. وما ردود الفعل في أميركا على عنصرية ترمب سوى أحد تجليات هذه الظاهرة.
بقلم: ياسر الزعاترة
أعلن اللاعب الألماني (من أصل تركي) مسعود أوزيل اعتزال اللعب دولياً، بعد الحملة العنصرية تجاهه، والتي بدأت إثر التقاطه صورة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفقة لاعب آخر (من أصل تركي أيضاً)، ثم تصاعدها إثر خروج المنتخب الألماني من الدور الأول في كأس العالم الأخيرة.
ليس من العسير القول إن الحملة التي طالت اللاعب تندرج ضمن تصاعد المدّ اليميني المتطرف في أوروبا والغرب عموماً، من دون تجاهل أن لصدام أردوغان مع ألمانيا خلال السنوات الأخيرة تأثيراً في الحملة التي طالت اللاعب.
وفي حين شهدت الألفية الأخيرة تصاعداً في التيار اليميني، وها إنها تتصاعد أكثر في ظل جنون ترمب وعنصريته، فإن من التسطيح الحديث عن الظاهرة كما لو أن الوجه الآخر للصورة ليس حاضراً في السياق، ومن ثم اللجوء إلى لغة التعميم بوصم التعاطي الغربي مع المسلمين (نتحدث عن الجانب الشعبي) بأنه ذو طابع عنصري.
ما تجب الإشارة إليه هنا، ابتداءً، هو أن المدّ اليميني العنصري لا يستهدف المسلمين وحدهم، وإنما يطول الكثير من الفئات الأخرى، بما في ذلك بعض البيض المسيحيين، بدليل أن تصويت غالبية البريطانيين لصالح «البريكست»، أو الانفصال عن الاتحاد الأوروبي لم يكن رداً على المسلمين؛ بل في معظمه ردّ على هجرة بيض مسيحيين من أوروبا الشرقية.
ما نريد التركيز عليه هنا هو أنه إلى جانب تصاعد المد اليميني العنصري في الغرب، هناك تصاعد أيضاً في الحس الإنساني الرافض لهذه العنصرية في أوساط شعبية كبيرة، وما ردود الفعل في أميركا على عنصرية ترمب سوى واحد من تجليات هذه الظاهرة، بجانب عدد لا يُحصى من الحوادث التي يمكن الإشارة إليها.
وحين يتظاهر ربع مليون في لندن ضد زيارة ترمب، فذلك شكل من أشكال الرد على عنصريته (في السياق الرسمي الغربي تحضر ظواهر متميزة مثل ترودو في كندا).
وما دمنا قد بدأنا في ألمانيا، فلنأخذ هذا المثال البسيط المتمثل في استفتاء أُجري في مدينة ألمانية صغيرة بشأن منح قطعة أرض تجارية لأجل بناء مسجد، فكانت النتيجة هي تصويت حوالي 60% ضد البناء، فيما دعمه حوالي 40%، مع أنه لا يعني منع بناء المسجد؛ بل ضد منح الأرض التجارية للجمعية التي طلبتها.
وحين نتذكر أن الجمعية محسوبة على التيار التركي المقرّب من أردوغان، فلا يجب أن نتجاهل تأثير ذلك على المصوّتين بقدر ما.
وحين نتذكر أن نسبة التصويت لم تتجاوز 45%، مع العلم أن الرافضين غالباً ما يذهبون نحو التصويت بقوة أكبر (قد ينطبق هذا على المؤيدين أيضاً)، خلافاً لأصحاب الموقف المتردد أو غير المهتم، فإن تصويت 40% لصالح منح قطعة الأرض لبناء المسجد ليس أمراً سهلاً، وهو يدل على ارتفاع صوت التسامح بين الناس.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ذلك المتعلق بردة فعل المسلمين على تصاعد المدّ اليميني، والجواب الأهم هنا لا يتعلق بمواقف الأنظمة الإسلامية من مصالح المهاجرين المسلمين، فلا حاجة لذلك لأنه قد يزيد الطين بلة، وإن أثّر -لو توافر- على المواقف الرسمية.
بل يتعلق بمواقف مسلمي الغرب أنفسهم، وهنا لا مناص من المناداة بفقه «الرسالية» في حياتهم وسلوكهم، بحيث يعكسون الأخلاق السامية لدينهم ويقدمون «النموذج» الصحيح لرسالتهم السماوية.
إلى جانب الإيجابية في المجتمع من الناحية السياسية، بالانخراط في الحياة العامة بصفتهم مواطنين كاملي المواطنة، مع رفض حاسم لأي عنف يُنسب إلى دينهم، ويستهدف المجتمعات التي يعيشون فيها.
* ياسر الزعاترة كاتب صحفي أردني/ فلسطيني
المصدر: «العرب» القطرية.
مفاتيح: الغرب، المد اليميني العنصري، المسلمون في الغرب، فقه «الرسالية»، «البريكست»، مسعود أوزيل،