رؤية مختلفة للأحداث !

فضيحة ترامب في هلسنكي وما بعدها

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترامب
0

صعود التعددية القطبية سيكون في صالح المستضعفين رغم ما نعانيه من جنون بوتين وإجرامه في سوريا.

بقلم: ياسر الزعاترة

من المؤكد أن المؤتمر الصحافي الذي عقده ترامب إلى جانب بوتين بعد قمة هلسنكي سيكون من اللحظات التي لن تنسى في فترة رئاسته، كما ذهبت صحيفة «فايننشال تايمز» في إحدى افتتاحياتها.

على أن المؤتمر الصحافي لم يكن العار الوحيد، بل هو ثمرة من ثمار عار أكبر تمثل في القمة ذاتها، والتي منحت بوتين الكثير، بينما لم تمنح ترامب شيئاً يذكر، اللهم سوى الوعد بتلبية مصالح الكيان الصهيوني التي بات مؤكداً أنه يقدمها على مصالح الولايات المتحدة.

في هلسنكي؛ حصل بوتين على اعتراف رسمي بحقيقة أن بلاده ندٌ للولايات المتحدة، بجانب الاعتراف بما فعله في محيطه الاستراتيجي، فيما تم التجاوز عن تدخله في الانتخابات الأميركية.

هنا في هذه النقطة تحديداً تورّط ترامب في حماقته الكبرى، وذلك حين أعرب عن تصديقه بوتين في نفيه التدخل بالانتخابات الأميركية، وتكذيبه الضمني أجهزة المخابرات الأميركية التي وجهت الاتهام لـ 12 ضابطاً روسياً بالتدخل.

لم يكن ذلك أول صدام لترامب مع مؤسسات الدولة العميقة، خاصة الأمنية، بل والعسكرية أيضاً، فقد اصطدم من قبل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي.

لكن الكارثة هذه المرة حدثت في سياق مؤتمر صحافي مع دولة تُجمع مؤسسات الدولة الأميركية العميقة على اعتبارها من التحديات الاستراتيجية على الصعيد الدولي؛ بجانب الصين بالطبع.

ما زاد الوضع سوءاً بالنسبة لترامب، وأمام النخبة السياسية في الولايات المتحدة، هو أن هذا الحنان على بوتين وروسيا قد تزامن مع حروب شعواء على الحلفاء، بخاصة الأوروبيين، كما تبدى في القمة الأخيرة لحلف الناتو، وكما تبدى أيضاً خلال زيارته الأخيرة لبريطانيا.

وكذلك إصراره على تجاهل رأي الحلفاء فيما يخص العقوبات على إيران، وصولاً إلى توقع سيناريو العراق معها، انتهاءً بالحرب، ما يعني أن بوصلة الرجل قد دخلت في حالة مريعة من التيه.

إنه كائن لا يتصرف بلغة التجار وحسب، بل بلغة حلبات المصارعة أيضاً، ولا يفقه تعقيدات السياسة بحال من الأحوال، وها إن النخب السياسية الأميركية تراه عاراً على الولايات المتحدة، فيما يراه الكثيرون، بما في ذلك بعض «الجمهوريين»، خطراً على مصالح الولايات المتحدة.

وحين يصل الحال بزعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ حد التساؤل عما إذا كان لدى بوتين معلومات تؤذي ترامب، ويمكنه ابتزازه من خلالها، فإن الأمر قد تجاوز التشكيك إلى التخوين.

وفيما بدا أن السؤال عن مصير الرجل في الرئاسة قد خرج من التداول وبات بوسعه أن يعلن عن نية الترشح للرئاسة مرة أخرى، فقد أعاد جدل الأسابيع الأخيرة الأمر إلى التداول من جديد، وصار أكثر وضوحاً بعد قمة هلسنكي ومؤتمرها الصحافي.

وهذا تحديداً ما دفعه إلى الاعتذار عن تشكيكه بكلام أجهزة الاستخبارات حول التدخل الروسي في الانتخابات (قال إنها زلة لسان!!)، وإن عقب بالقول إن ذلك التدخل لم يغير في النتيجة.

من الواضح أن السؤال التقليدي في الدولة العميقة لا يزال قائماً، أعني الموازنة بين كلفة الإطاحة بالرجل، وبين كلفة التعايش معه حتى نهاية ولايته، وفيما كان الموقف قد حُسم تقريباً، فإن الأحداث الأخيرة ستعيده إلى الجدل من جديد، وهي فعلت في واقع الحال.

هنا يبرز الدور الصهيوني كعامل مرجح، لكن لذلك بعد آخر أيضاً، فالأميركيون يراقبون كيف يقدم هذا مصالح إسرائيل على مصالحهم، والنخب السياسية تراقب أيضاً، وهو ما ستكون له تأثيراته على الموقف من طغيان الأقلية، وإن لم يحدث ذلك سريعاً.

في أي حال، سيكون بوسعنا القول إن هذا الرجل يمثل لعنة على الولايات المتحدة، وهذا خبر جيد بكل تأكيد، فأمتنا هي أكثر من اكتوى بنار التفرد الأميركي.

وصعود معادلة التعددية القطبية، سيكون في صالحنا، وفي صالح المستضعفين أيضاً، رغم ما عانيناه ونعانيه من جنون بوتين وإجرامه، خاصة في سوريا.

* ياسر الزعاترة كاتب صحفي أردني/ فلسطيني

المـصـدر: العرب القطرية
مـفـاتيـح: قمة هلسنكي، عار المؤتمر الصحفي، ترامب، بوتين، مصالح إسرائيل، إيران، التدخل الروسي في الانتخابات، الاستخبارات الأميركية، «الدولة العميقة»، التعددية القطبية، الدور الصهيوني، التفرد الأميركي،

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق