أنهى وفدٌ من منظمة التحرير الفلسطينية زيارةً إلى دمشق، قبل أيام، التقى في أثنائها مسؤولين سوريين، أرفعهم رئيس الحكومة (اسمه عماد خميس). .. الخبر ليس هنا، وإنما في أن الزيارة تأتي، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية، الرسمية، (وفا)، “في سياق الجهود التي تبذلها القيادة الفلسطينية على صعيد بلسمة جراح أبناء فلسطين في سورية الذين أصابتهم المحنة السورية، خاصة في بعض المخيمات والتجمعات، …”.
ذلك أن زوبعةً من الأسئلة يثيرُها هذا الكلام، أولها عن هذه الجهود التي لم يعلم بها أحد، ما قد يُشيع ظنّا بأن القيادة الفلسطينية لا تتوسّل شكرا على واجبٍ تقوم به، فلا تستحسن إضاءة الإعلام على ما تفعل. أما عن الجراح التي أصيب بها الفلسطينيون هناك فمعلومة، على غير أمر بلسمتها الجارية، والتي لم نقع يوما على خبرٍ عنها.
ولكن لا بأس، فقد أذاعت “وفا” خبر تلك الجهود (والبلسمة) عشيّة الزيارة التي ترأس وفدها عضو اللجنة التنفيذية، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عزام الأحمد، والذي تحدّث في أثنائها في دمشق، عن نجاح الشعب السوري، وقيادته، في إحباط المؤامرة الكبيرة، والمتواصلة منذ سنوات، وهدفت إلى شقّ وحدة سورية أرضا وشعبا. كما تحدث عن تقدّمٍ كبيرٍ جرى على طريق دحر التنظيمات الإرهابية التي قبلت أن تكون أدواتٍ بيد أعداء سورية والأمة العربية.
ويلتبس على قارئ هذا الكلام ما إذا كان صاحبُه مسؤولا عن فرقة كشّافة في واحدةٍ من طلائع البعث السوري أم مسؤولا فلسطينيا معنيّا بجراح شعبه وبلسمتها. سيما وأن الرجل زاد وعاد في قصة المؤامرة، فقال أيضا إنه، وزملاءه، شاهدوا بأم أعينهم إرادةً حقيقيةً تدل على صمود الشعب السوري في وجه المؤامرة التي تستهدف سورية والأمة العربية.
اقرأ/ي أيضا: صحيفة سورية موالية للنظام تفنّد تصريحات مسؤول إيراني كبير حول دور طهران في حماية دمشق
كان في الوسع أن يُحتمل شيءٌ من المجاملة الطفيفة التي تقتضيها واجبات الضيف على المضيف، غير أن الأحمد بدا أنه، في ذلك الكلام وغيره، يقدّم أوراق تحالفٍ واصطفافٍ معلنٍ من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية مع نظام الأسد وموسكو وطهران. وبالمنطق البراغماتي المحض، المُفرط منه خصوصا، يمكن أن يمرّر واحدُنا فائض التشبيح الظاهر في عبارات عزام الأحمد أعلاه، لو أنه سينفع الفلسطينيين الذين تبقّوا في سورية، ونجوا من التهجير والتجويع والاعتقالات ونوبات التمويت في السجون، وغيرها من ألوان العسف التي يحترف النظام الرثّ في دمشق معاقبة السوريين بها.
أما ما كشفه عضو الوفد الزائر، عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير، محمود الهولي، إن أسماء مفقودين فلسطينيين في سورية قدّمها الوفد إلى عماد خميس (رئيس الحكومة السورية)، فينتسب إلى المستطرف في كل فنٍ مستظرف، سيما وأن خميس وعد زوّاره بمتابعة الموضوع، بل بموافاتهم بكل جديدٍ بشأنه.
.. تُرى، هل اشترى الهولي والأحمد، ومن معهما، هذه البضاعة؟ منذ متى تُؤخذ وعودٌ كهذه من موظفٍ لا يمون على مخبرٍ في سورية على محمل الجد؟ أم إن زائري عماد خميس انتهجوا في سماعهم ما سمعوه ملاحقة العيّار إلى باب الدار؟
للتذكير، قضى نحو 280 فلسطينياً تحت التعذيب في سجون الأسد في السنوات السبع الماضية، وأزهقت جولات الفتك التي لم يعتصم النظام ومشايعوه (وبينهم فلسطينيون) يوما عن المضي فيها أرواح نحو أربعة آلاف فلسطيني في هذه السنوات.
ولم يكن وفد عزام الأحمد في حاجةٍ لمن يذكّره بالتهديم المريع الذي استُهدف به مخيم اليرموك في أثناء إحباط النظام المؤامرة إياها، فقد زار الوفد المخيم، وشاهدوا ما شاهدوا. وللحق، هناك ما هو مفاجئ في الذي نقله محمود الهولي عن عماد خميس، ومسؤولين سوريين آخرين استقبلوا الوفد، موجزُه أن مجلس الوزراء السوري أخذ قرارا بإعادة تنظيم مخيم اليرموك وجوبر وبرزة والقابون “بما يتناسب مع الواقع”، فهذا كلامٌ يحتاج إلى شرحٍ يفك ألغازا باديةً فيه، وإن استطرد الهولي إن الحكومة السورية تولي إعادة إعمار “اليرموك” وتأهيله أولوية.
هل هذا صحيح؟ وهل صحيحٌ أن وراء الأكمة ما وراءها في زيارة وفد عزام الأحمد إلى دمشق، وأن حساباتٍ وأوراقا وفيرة تتشابك فيها؟ ربما، أما بلسمة جراح الفلسطينيين في سورية فالأرجح أنها كانت، فحسب، تزيّدا إنشائيا في وكالة “وفا”.