بقلم: ديانا مقلد
“كيف تتحققون من صدقية أشرطة الفيديو المسربة من سوريا.. كيف لنا أن نعرف حقيقة ما يحدث هناك”؟
طارح هذا السؤال كان صحافيا غربيا وهو طبعا ليس الأول أو الوحيد الذي يشعر بالارتباك إزاء ما يجري منذ بدء الثورة في سوريا، فلجأ إلى الدور الصحافي التقليدي وهو التشكيك في المعلومة قبل تبنيها.
من القاتل في سوريا، النظام أم المعارضة؟
أليس هذا جوهر اللعبة الدعائية التي تشنّ في وجه الستين ألف ضحية الذين أزهقت أرواحهم وأريق دمهم بأبشع الوسائل حتى بات الجدل المتعلق بهوية الجلاد وهوية الضحية أشبه بأسئلة الوجود والكون.
الأسبوع الماضي قتل تسعون من طلاب جامعة حلب..
هل قتلوا بانفجار وبالتالي تتحمل جبهة “النصرة” المسؤولية أم قتلوا “بصاروخ” من واحدة من طائرات النظام.. كم يبدو سهلا أن نشعر بالجبن إزاء الدم السوري ونعلن كأهل صحافة وإعلام أننا نتستر خلف مهنيتنا وبالتالي لن ننحاز قبل أن نتثبّت مما يجري هناك.
اليوم وبعد سنتين، تآلف الكون مع صور القتيل والمعذب السوري ولم يعد موت خمسين أو مائة أو حتى مائتي سوري يوميا خبرا ذا وزن فنحن لسنا متيقنين من هوية القاتل بعد.
بات من السهل إثارة أسئلة من نوع من ارتكب هذه المجزرة أو القول إن جميع الأطراف باتت متورطة في الدم حتى بات الأمر ذريعة لدى الدول الفاعلة كي تتقاعس عن مسؤوليات كان ينبغي أن تتصدى لها منذ اليوم الأول للثورة..
بعد تفجير جامعة حلب ظهر شريط فيديو لطلاب الجامعة يركضون فيما طائرة تحلق فوقهم قبل أن نسمع دوي صاروخ ونشاهد انفجار الجامعة لكن ما قيمة الصور. ألم يجهد السوريون في كل مرة لتصوير موتاهم وتصوير قتلتهم ومع ذلك ما زلنا نعيش حال التشكيك، بل إن القتلة يفاخرون بتسريب صورهم يعذبون ويقتلون ضحاياهم..
وكأن هذه الصور لم تعد تقول شيئا سوى أن تزيد من أرشيف “يوتيوب”.
في حادثة جامعة حلب تكررت المعادلة السمجة: إعلام النظام والإعلام المتحالف معه اعتبر أن الضحايا سقطوا بانفجار نفذته «جبهة النصرة» فيما حمل الإعلام المعارض النظام المسؤولية..
بالنسبة للإعلام الغربي فهناك مسافة من الاثنين يجب أن يقف عليها الصحافي كي لا يتهم بالانحياز.
نظريا يصح هذا الكلام في الجامعة لكن الواقع تجاوز تلك المقولات وبات يفترض موقفا أخلاقيا بعد كل التراخي والتقاعس الذي حدث في السنتين الماضيتين.
بات واحدنا يشعر أن السوريين مطالبون وهم يساقون للذبح أن يوثقوا ويثبتوا لنا هوية قاتلهم. كيف لنا أن نعلم أن ذلك الرجل الذي يعذب ويهان ويهدد باغتصاب زوجته حتى مات من فظاعة الألم هو ضحية النظام.. ليته تمكن من تسجيل شهادته وإرسالها لنا عبر “يوتيوب” قبل أن يسلم الروح لنتحقق من ذلك وبعدها ندرس إمكانية أن نعلن انحيازنا له..
ما هو أشد مرارة حين نجد من يعلم جيدا من هو الضحية ومن هو الجلاد لكن آثر السكوت والانتظار.