بقلم: ياسر الزعاترة
كما أشارت معظم التقديرات، وفي ظل تشرذم التيار المحافظ (5 مرشحين)، مقابل وجود مرشح واحد مدعوم من التيار الإصلاحي (حسن روحاني)، فقد تقدم الأخير في الانتخابات كما أشارت النتائج إلى الآن
(نكتب قبل ظهور النتائج النهائية)، مع عدم الجزم بما إذا كان سيفوز من الجولة الأولى، أم سيضطر إلى خوض جولة ثانية في مواجهة الأعلى أصواتا بين مرشحي التيار المحافظ.
ما يعنينا هنا هو قراءة النتائج الأولية ممثلة في حصول حسن روحاني على أكثر من نصف أصوات الناخبين، بصرف النظر عن فوزه في الجولة الأولى أم الثانية، أم حتى خسارته في الثانية إذا وقعت تدخلات معينة، مع أن ذلك يبدو مستبعدا في ظل الشعور العام بحاجة النظام إليه أكثر من أي مرشح آخر.
ما ينبغي أن يشار إليه هنا هو أن نتيجة روحاني لا تعبر عن زخم التيار الإصلاحي في الشارع، ولو كان المرشح هو مير حسين موسوي على سبيل المثال لكانت النتيجة أكثر وضوحا لصالحه، ولكان بوسعه حسم النتيجة منذ الجولة الأولى بفارق كبير، والسبب هو أن روحاني ليس محسوبا بالكامل على الإصلاحيين، وإن اقترب منهم، حتى اصطلح في بعض وسائل الإعلام على تسميته بالمرشح المعتدل المحافظ، وليس المرشح الإصلاحي.
من الواضح أن المزاج العام في إيران لم يعد ميالا للمحافظين، فباستثناء بعض الطبقات الفقيرة التي يستقطبها المحافظون بخطاب يمزج بين الديني والاهتمام بشؤونهم، ومعها بعض الأصوليين، يبدو التيار الإصلاحي هو الأكثر قبولا بين الناس، لاسيَّما بين الشباب، وفي المدن الكبيرة وفي أوساط الطبقة المتوسطة، على رغم أن سيرته ليست مشجعة إلى حد كبير في تجاربه السابقة.
ما يسيطر على المزاج العام في إيران هو الوضع المعيشي، إلى جانب الحريات العامة في البلاد، وفي الجانبين ثمة سخط لافت على التيار المحافظ، إذ يميل إلى قدر كبير من التضييق على الحريات العامة، فيما أوصلت مغامراته السياسية البلاد إلى حافة الهاوية على صعيد الوضع الاقتصادي في ظل العقوبات من جهة، ومن جهة أخرى في ظل الصرف المجنون على مغامرات الخارج، وآخرها المغامرة السورية التي تستنزف الخزينة الإيرانية فوق ما هي مستنزفة، وحيث لا تقل الخسائر في أبسط التقديرات عن 20 مليار دولار خلال عامين تقريبا.
في انتخابات 2009، وإدراكا منهم لمزاج الشارع العام، رفع الإصلاحيون شعار «لا غزة ولا لبنان، كلنا فداء إيران»، وحين يقارن الحال في 2009 بنظيره اليوم، فإن الفارق كبير جدا لجهة تأثير العقوبات على الوضع الداخلي، ومعها مغامرات الخارج كما تتبدى في سوريا، ولو خاض الإصلاحيون السباق، وأداروا حملة انتخابية لرفعوا شعار «لا سوريا ولا لبنان، كلنا فداء إيران» على اعتبار أن إيران قد أوقفت المساعدات لغزة وحماس بسبب موقف الأخيرة من سوريا.
في سياق كشف المزاج العام في إيران، نشير هنا إلى واقعة حدثت نهاية العام الماضي، حين أجرت القناة الإخبارية في التلفزيون الإيراني استطلاعا للرأي حول كيفية التعاطي مع العقوبات الدولية، حيث سألت الجمهور عن الطريقة التي يفضلونها «لمواجهة العقوبات الأحادية التي فرضها الغرب على إيران»، طارحة عليهم ثلاثة خيارات هي: «التخلي عن التخصيب، في مقابل رفع تدريجي للعقوبات، إغلاق مضيق هرمز، أو مواجهة العقوبات للحفاظ على الحقوق النووية لإيران». وكانت المفاجأة أن %63 قد أيدوا وقف التخصيب، بينما أيد %20 إغلاق مضيق هرمز، وقال %18 إن الأفضل هو مواجهة العقوبات.
وللتقليل من تأثير الاستطلاع، بادر موقع القناة إلى تجميده بعد 28 ساعة من بدء التصويت عليه، موضحا أن قراصنة إنترنت من خارج إيران هم الذين أثروا على النتيجة، في إشارة إلى محطة «بي بي سي»، مؤكداً على أن النتيجة الحقيقية هي تأييد %24 فقط لوقف التخصيب، مقابل %38 للخيارين الآخرين، معتبرا أن هذه النتيجة (الأخيرة) «لا تعكس في أي شكل رأي كل، أو حتى غالبية الشعب الثوري في إيران».
والسؤال الذي يطرح نفسه في حال فوز روحاني يتعلق بتأثير ذلك على السياسة الخارجية الإيرانية، وهنا يمكن القول إن ملف السياسة الخارجية كان ولا يزال بيد المرشد خامنئي، لكن رسالة الانتخابات ستصله بكل وضوح، ولا بد له تبعا لذلك من إعادة النظر في تلك السياسة التي لا تتوقف عند جلب العقوبات الدولية، بل تتجاوزها إلى تكريس حالة عداء سافر مع المحيط العربي والإسلامي، بل مع غالبية الأمة من السنّة.
وقد حاول روحاني أن يوصل بعض الرسائل إلى دول الجوار والمجتمع الدولي بأن سياسته ستختلف عن سياسة أحمدي نجاد المتشددة، فيما كانت تلك الرسائل موجهة أولا وقبل كل شيء إلى الداخل الإيراني الذي يدرك أية مصائب جلبها تشدد نجاد على إيران، مع أن المرشد كان يظهر تشددا أوضح منه.
من الصعب التكهن بما يمكن أن يحدث خلال السنوات الأربع القادمة، والتي يمكن القول إن تداعيات الملف السوري ستكون أخطرها على الإطلاق، لكن المؤكد هو أنه إذا لم تعد إيران إلى رشدها وتتخلى عن أحلام التمدد المغرورة، وتتصالح مع محيطها العربي على أسس جوار متوازنة، مع تنازل عن المشروع النووي في بعده العسكري، فإن وضعها سيزداد بؤسا، حتى لو قيل إن المنطقة برمتها ستكون خاسرة في المعركة لصالح العدو الصهيوني، أقله في المدى القريب.