رؤية مختلفة للأحداث !

ملامح الحل السياسي للأزمة السورية

0

mhabd kdsbn 721بقلم: مها بدر الدين
بعد سلسلة من حلقات مسلسل العجز والتخاذل العربي تجاه الحدث السوري الجلل، نتابع هذه الأيام وبأدنى اهتمام شعبي سوري داخلي وخارجي حلقات الجزء الثاني منهذا المسلسل بنسخته الغربية بطولة كوفي أنان وسيناريو وإخراج الأمم المتحدة ومجلس الأمن وإنتاج مجموعة من الدول المارقة ذات المصالح السياسية والاقتصادية والدينية المشتركة مع نظام الأسد المهزوز الذي بات قاب قوسين أو أدنى من السقوط المدوي بأيدي أبناء الشعب السوري المناضل، والبطل الحقيقي للأحداث، الذي يتم تجاهله ووضعه دائماً وراء الكواليس في محاولة لتغيير النهاية الحتمية والتاريخية التي يؤكدها المنطق والإيمان بعدل الله والثقة بشرعية قضية الشعب السوري وشرعية مطالبه.

هذا الجزء الثاني تناول في حلقاته الأولى خطة أنان بنقاطها الستة، التي رغم جولاته المكوكية على دول محور الشر المتكالبة على الشعب السوري، ومداولاته العقيمة مع النظام السوري الكاذب حتى النخاع، لم يتمكن من تحقيق واحدة فقط من هذه النقاط، بل أنه قد صدم بتهرب النظام السوري من الإيفاء بالعهود والمواثيق التي عقدها معه، وأترك للقارئ الكريم تصور صدمة أنان مع الموسيقى التصويرية المرافقة لهذا المشهد غير المناسب لسياق الأحداث، حيث أنه من المنطق أن يكون أنان وهو رجل الديبلوماسية المخضرم قد اطلع على سيناريو المبادرة العربية الفاشلة لمعرفة مدى مصداقية النظام السوري القولية والفعلية، ودراسة إمكانية سد الثغرات السياسية والديبلوماسية التي قد يلجأ النظام السوري من خلالها إلى محاولة التملص من أي اتفاق كما اعتاد خلال سنة دموية مضت، لكن أنان مضى قدماُ في خطته إما لثقة مطلقة بقدراته السياسية أو بتجاهل متعمد لأهمية الوقت بالنسبة للشعب السوري والنظام السوري على حد سواء، ليصل لمرحلة الصدمة التي نشك بصدقها ومناسبتها لأهمية الحدث.

أما في الحلقات القادمة فسيتم بناء على السيناريو المكرر بنسخته المدبلجة إيفاد مراقبين دوليين لمراقبة الشارع السوري عن كثب، حتى يبدو الخط الأبيض من الخط الأسود، علماً بأن المخرج والمنتج يفضلون دائماً في حالة كالأزمة السورية أن يكون اللون الرمادي هو السائد على اللوحة، لاعطاء مساحات واسعة للصراع بين الخير والشر، بغض النظر عن النقط الحمراء السائلة التي يفرزها هذا الصراع غير المتكافئ، فالشر على الساحة السورية يمثله نظام فاشي، استبدادي، قام على دم الشعب السوري إما سفكاً أو امتصاصاً، يدعمه محور أشر منه وأدهى، اتخذه وسيلة لتحقيق رغباته الإجرامية بالقضاء على قطب الخير، الذي يمثله هنا الشعب السوري المسلم والمسالم، والذي اقتات على دمه النظام السوري لاكثر من نصف قرن، ووصل لمرحلة إما أن يترك دم أولاده لقمة سائغة لهذا النظام يمتصها كيفما يشاء، أو ينتفض ليحافظ على رمقه الأخير لعله ينقذ أجيالاً قادمة من شر مستطير.

ومن قراءة سريعة للأحداث الماضية والحاضرة يتضح أن المجتمع الدولي برمته يتجه نحو رفض التدخل العسكري لإنهاء الانتهاك السافر والمعلن والمستمر لحقوق الشعب السوري رغم كل التعهدات التي نكثت، والوعود التي أغفلت، والمهل التي سوفت، من قبل النظام الأسدي، ويحاول هذا المجتمع بكل السبل إيجاد حل سياسي للأزمة، تحقيقاً لمصالح أعضائه بالدرجة الأولى والتي تتفاوت في طبيعتها من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الطائفية لكنها تصب جميعاً في خانة المحافظة على النظام السوري قائماً لأنه في اعتقادهم يحقق مصالح الجميع، فأميركا وإسرائيل تراه حامي الديار اليهودية، والاتحاد الأوروبي يراه محجماُ مناسباً لتصاعد دور الإسلام الذي يفرض نفسه بعد ثورات الربيع العربي، وروسيا والصين تراه حليفاُ استراتيجياُ وداعماُ لنظامها الشيوعي الملهم الأول لحزب البعث ومبادئه، وإيران تراه الممر الأكثر أهمية لهلالها الشيعي الذي يعيد للفرس سلطتهم على الأمة الإسلامية.

ولعل المعارضة السورية بأطيافها كافة رغم ثقتهم ومعرفتهم العميقة بطبيعة نظام الأسد الذي لا يقيم لحديث السياسة وزنا ولا يعرف للديبلوماسية منطقا، وتدرك تماماً أن الحل العسكري هو الدواء الوحيد لهذا الداء المستعصي والمستشري في الجسد السوري وبأجساد جيرانه أيضاً كلبنان والعراق وحتى تركيا، ربما ترضى هذه المعارضة بالحل السلمي والسياسي للأزمة ولكن بملامح وشروط الثورة السورية التي قامت ليس للتخلص من سلطة العائلة والطائفة فقط، بل قامت لإنهاء الحكم الفردي مهما كان توجهه والوصول بسورية إلى عالم الديموقراطية والتعددية وحكم الشعب نفسه بنفسه.

إن المجتمع الدولي منذ سنة مضت وهو يناور ويحاور ويداور للوصول إلى حل سياسي يضمن بقاء رأس الأسد على رأس النظام المتعفن، وما مقولة أنان أن خطته ما زالت على الطاولة رغم أن النظام السوري قد قلب هذا الطاولة المهترئة في وجهه، إلا تأكيداً على أن المجتمع الدولي الذي يتهم النظام السوري بمحاولة شراء الوقت، إنما يبيع له هذا الوقت بل ويقدم له عروضاُ مجانية من الوقت الإضافي، وأنه ماض في كتابة السيناريو بطريقته الخاصة التي تفرغ الثورة السورية من مضمونها الحقيقي وتغفل فيه دور الشعب السوري وتضع الخطط السياسية، التي لم تعد تؤتي أكلها عند الشعب السوري، الذي إن رضي بالحل السياسي فهو الحل الذي سيتحدث فقط عن مرحلة ما بعد النظام، وبملامح سياسية تتناسب مع ما قدمه هذا الشعب لثورته على حكم أبطله شرعاً دماء الشهداء التي لا تزال تسيل في شوارع سورية الثائرة.

فالمجتمع الدولي يريد حلاً سياسياً بنكهة الأسد، والمعارضة تريد حلا سياسياً بطعم الحرية، والشعب السوري يريد حلاً سريعاً يضع خطته نفسه، وينفذها بيديه لينهي معاناته اليومية ويمنع مزيداً من زهق الأرواح وامتهان الكرامات وانتهاك الأعراض، لأنه يدرك أكثر من غيره بأن هذا النظام لن تنهيه سوى وحدة الشعب السوري وانتفاضته الموحدة، لذلك فان ساعة الصفر باتت قريبة لأنها على ما يبدو أصبحت حل الشعب السوري الوحيد لأزمته المتصاعدة.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق