بقلم: عبد الرحمن الراشد
في رأي أحد العارفين أن المجزرتين اللتين ارتكبتا الأسبوعين الماضيين، بمعرفة قوات النظام وحمايته، وربما مشاركته، تدللان على أن بشار الأسد فقد سلطته على الأمن والجيش. فالمجزرتان حرضتا العالم على أخذ موقف أكثر تقدما، حيث أغلقت سفارات سوريا في معظم دول العالم وتحركت عدد من الحكومات لتقديم الدعم المادي والعسكري للثوار، وأحرجتا حلفاء الأسد الذين عجزوا عن تبرئته واكتفوا بالمطالبة بتحقيق في الجريمتين. أيضا، لم يتمكن الأسد في المرتين من ترتيب مسرحية على عادته. فهو في كل جريمة يقوم بها نظامه وتكون ضمن نص معد سلفا، يلقي باللائمة على خصومه. في المجزرة الأولى، في منطقة الحولة، وصل المراقبون ليشهدوا بأن قوات النظام تقوم بقصف البلدة المنكوبة، ويجدوا من الأدلة ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة للتخلي عن تحفظه، فاتهم النظام السوري بارتكاب جرائم، وأعلن أن النظام فقد شرعيته. وفي المجزرة الثانية في منطقة حماه، سارع النظام إلى منع المراقبين من زيارة الموقع إلى بعد أيام لترتيب المكان والقصة.
هذا لا يعني أن رأس النظام بريء من المجازر التي ترتكبها قواته والميليشيات المحسوبة عليه، بل تنبئ بوضع جديد، أن القيادات الأخرى أصبحت لا تأتمر بأمر الرئيس أو تنسق معه، والأرجح أن شقيقه ماهر هو الذي يتحكم ميدانيا ويدير البلاد، والذي وصف دائما بأنه صاحب الحل الدموي.
ما الذي قد يعنيه هذا التطور، إن صحت الرواية؟
يبدو كانقلاب في داخل النظام وسينتهي بإبعاد بشار الأسد، وصعود المتحكم الفعلي ميدانيا. وهنا، يوجد ماهر الأسد الذي هو أكثر وضوحا في مواقفه وأعماله، أن نظامه في حالة حرب مفتوحة ضد أغلبية الشعب السوري. أما بشار، فقد عهدناه يلعب دور الوجه المسالم للنظام، نفس الدور الذي قام بتمثيله في سنوات حكمه الاثنتي عشرة الماضية. فهو متورط في اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري، وعشرين آخرين من الشخصيات اللبنانية، مع هذا حرص بشار على الظهور بمظهر البريء دائما، وأنه الرجل الوديع المتحضر. ورغم خصومته الشديدة مع الحريري ونصف قادة لبنان، فإنه كان يخفيها عن الجميع، ولم تظهر على السطح سوى رواية واحدة مؤكدة تكشف عن حقيقته. بشار التقى الحريري وهدده بالقتل صراحة، وفور عودة الحريري إلى عاصمة بلاده أعلم عددا من خاصته بما حدث. هذه شخصية بشار الأسد الحقيقية التي يحرص دائما على إخفائها، والظهور بمظهر الزعيم الضحية لمؤامرة أجنبية تريد تلبيس نظامه قضايا القتل. الكثيرون لم يصدقوا ادعاءه. وعندما بدأت أول ملامح الثورة السورية تكررت نفس التجربة، حيث التقى أكثر من وفد، مثل الأتراك الذين قالوا إنه وعدهم بالتغيير والإصلاح، وما لبثوا أن اكتشفوا كذبه. مسؤول خليجي يقول إنه زاره في مارس (آذار) بعيد اعتقال أطفال درعا وتعذيبهم وثورة الأهالي ونزواتهم للتظاهر. يقول: نصحناه صراحة ومباشرة بمحاسبة مرتكبي جرائم درعا الذين عذبوا الأطفال وهددوا آباءهم، ويقول: اقترحنا عليه أن يذهب شخصيا إلى هناك لترميم العلاقة. وعدهم بأن يفعل، لكنه زاد من قواته ومن الاعتقالات، واخترع آنذاك قصة السلفيين الذين يقومون بقتل الناس وأن قوات النظام لا علاقة لها بما يحدث!
الأرجح أن عائلة الأسد ليست في وضع يسمح لها بارتكاب تصفيات داخل صفوفه، لكن الأقرب أن إدارة الأزمة لم تعد مركزية في قصر الرئيس، الكثير من المؤشرات تبين تضارب التصريحات وسرد الروايات بين الأجهزة المختلفة. الرئاسة تريد الحل الأمني، لكنها تفضل إخفاء آثار الجرائم أو إلصاقها بالطرف الآخر، وقادة الجيش، حيث يقود شقيقه ماهر، يريد الترويج لجرائم قواته من أجل إخافة المواطنين والقضاء على الثورة. ولهذا، توجد مئات الفيديوهات التي صورها أفراد من الجيش وهم يرتكبون الجرائم بحماس، ومن بينها صور مرعبة، مثل قائد دبابة يتعمد دهس مدني ثم يلتفت إلى الكاميرا ويظهر وجهه ساخرا من الجريمة التي ارتكبها لتوه!