أوكل ترامب الملف السوري لبوتين وفقاً لأولويتين أميركيتين: «أمن اسرائيل»، و«إخراج إيران من سوريا»!
بقلم: عبد الوهّاب بدرخان
لا مبالغة في القول بأن العالم الذي ترقّب قمة هلسنكي لم يعرف ما إذا كانت خرجت بنتائج يمكن التحقق منها. فالرئيسان الأميركي والروسي اتفقا أو اختلفا على هذا الملف أو ذاك في خلوة ضمتهما مع مترجمَين، وليس في قمة بين دولتين.
تُرك الكثير للجان المتابعة كي تدرس اتفاقات، لكنها يُفترض أن تعمل على أساس أن «تطبيعاً» للعلاقات تم بين الدولتين. غير أن جلوس دونالد ترامب وفلاديمير بوتن وتحادثهما واكتفاءهما بمؤتمر صحافي من دون بيان مشترك لم يعنِ أن تطبيعاً قد حصل فعلاً.
ثم إن عدم عقد اجتماعات تحضيرية بين الوزراء وكبار المسؤولين أشار إلى أن الجانبين استرشدا بـ«الغموض البنّاء»، الذي يتيح لهما التنسيق والعمل معاً في أكثر من مجال، في انتظار حل العقدة التي لم يتم تجاوزها بعد.
رغم أن ترامب ارتكب هفوة التقليل من أهمية قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، مجازفاً بتحقير وكالات الاستخبارات الأميركية لمصلحة «النفي القوي» للتدخل كما سمعه من بوتين، واضطر لاحقاً للاعتراف بأنه أخطأ، إلا أن أمرين شكّلا أهم مخرجات لقاء هلسنكي:
– أحدهما أن الرئيسين أدركا إلى أي حد تسببت هذه القضية غير المسبوقة نوعياً بتسميم العلاقات بين الدولتين،
– والآخر أنهما لم يسعيا إلى/ أو فشلا في إيجاد مخرج منها. تكمن الصعوبة في استحالة إقرار بوتن بالتدخل وتحمّل التبعات، وفي خشية ترامب من استغلال القضية للتشكيك بشرعية انتخابه أو لشل سياساته.
ليس جدّياً ولا عملياً تلويح الرئيس الروسي بإمكان المحققين الأميركيين استجواب المشتبهين الروس؛ فالأدلة الأميركية توصلت إلى أنهم ليسوا مجرد «قراصنة» سايبر أو «مهكّرين» من هواة القرصنة الإلكترونية، بل عاملين في الأجهزة الروسية.
إذاً، ما العمل في حال اتهامهم وإدانتهم؟
كان أبسط ما قيل في واشنطن، تحت وطأة الغضب، أن روسيا «ليست حليفتنا»، وأقصى ما رُمي به ترامب أنه ارتكب «ما يرقى إلى الخيانة». ماذا يعني ذلك؟
مضاعفة التركيز على التدخل الروسي وفرض عقوبات «كونغرسية» أخرى على روسيا. والأهم أنه لن يكون هناك تغيير جوهري في الملفات العسكرية الاستراتيجية.
وقد كشف بوتين أن ترمب أبلغه أن شبه جزيرة القرم يجب أن تبقى في أوكرانيا؛ أي أنه لم يقدّم تنازلاً بدا محتملاً في المسألة التي صعّدت التوتر بين روسيا ودول حلف الأطلسي.
أما الاستثناء «الاستراتيجي» الوحيد الذي كان واضحاً عند الرئيسين ولا يعارضه محازبو ترامب الجمهوريون ولا خصومه الديمقراطيون، فكان «أمن إسرائيل»، كما لو أنها تواجه خطراً وجودياً داهماً. كان المقصود بوضوح تحذير إيران مع اقتراب ميليشياتها «المنضمة» إلى قوات النظام السوري من حدود الجولان المحتل.
غياب أي إشارة علنية إلى «عملية السلام في الشرق الأوسط» لا يعني أن الرئيسين لم يتطرقا إليها، فترمب يروّج لـ«صفقة القرن»، وبوتين يريد معرفة المزيد ليحدد مصلحة روسيا فيها. كذلك لم تكن هناك إشارة مباشرة إلى الأزمة السورية إلا في حديثهما السطحي عن قضية اللاجئين، وهذه مرتبطة بمسألتين:
– أولاً بالحل السياسي الذي تهندسه روسيا بطريقتها.
– وثانياً بإعادة الإعمار التي تتطلب مساهمات دول لها مآخذ على «الحل الروسي».
وقد أثبت ترامب عملياً أن الملف السوري متروك لبوتين وفقاً لأولويتين أميركيتين: «أمن اسرائيل» وقد اتفقا عليها، و«إخراج إيران من سوريا» ولم يكن متوقعاً أن يتفقا عليها علناً، لكن التنسيق الروسي-الإسرائيلي ماضٍ في تحجيم النفوذ الإيراني.
* عبد الوهاب بدرخان كاتب صحفي لبناني
المصدر: العرب القطرية
مـفـاتيح: قمة هلسنكي، «تطبيع» ترامب-بوتين، «أمن اسرائيل»، إيران، سوريا، «الحل الروسي»، «صفقة القرن»، الأزمة السورية، التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، تحقير الاستخبارات الأميركية، «النفي القوي»،