وضعت الحكومة السورية أربعة شروط لنجاح الجولات المقبلة من مفاوضات جنيف بينها قبول جميع فصائل المعارضة السياسية والعسكرية «سلطة الدولة على كل الأراضي السورية» وانضواء
عناصر المعارضة «تحت سلطة الجيش السوري لمحاربة الإرهابيين»، الأمر الذي كان ضمن تعليقات وفد الحكومة على وثيقة مبادئ الـ (لا ورقة) التي وزّعها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا على الأطراف السورية المشاركة في الجولة الماضية من المفاوضات وتضمنت «تراجعاً» عن بنود وردت في وثيقة العام الماضي، كما لاحظ معارضون.
وكان لافتاً أن الوثيقة التي وزعها دي ميستورا تحت مسمى «لا ورقة» على الأطراف السورية لتسلّم الملاحظات عليها قبل اعتمادها رسمياً، وتضمنت ١٢ مبدأ، بدت مختلفة كثيراً عن الوثيقة التي كان قد قدّمها المبعوث الدولي في نهاية الجولة السابقة في نيسان (أبريل) الماضي. ولدى مقارنة «الحياة» للوثيقتين لوحظ غياب الحديث المباشر عن «الانتقال السياسي» والقرار ٢٢٥٤ في البند السادس من الوثيقة الأخيرة، علماً أن البنود الثلاثة للقرار ٢٢٥٤ (الحكم، الدستور، الانتخابات) ستكون محل مفاوضات بين الأطراف السورية بهدف تحقيق الانتقال السياسي.
وكان البند العاشر من الوثيقة السابقة نص على التزام السوريين «إعادة بناء جيش موحد وقوي عبر نزع سلاح ودمج عناصر الفصائل المسلحة لدعم الانتقال السياسي والدستور الجديد مع احتكار السلاح. ولن يكون هناك تدخل من العناصر الأجنبية في الأراضي السورية». أما البند السابع من الوثيقة الحالية، فنص على «الحفاظ على القوات المسلحة قوية وموحدة تحمي بشكلٍ حصري الحدود الوطنية لتحفظ شعبها من التهديدات الخارجية، وفقاً للدستور، وعلى أجهزة الاستخبارات والأمن أن تركز على صيانة الأمن الوطني وتتصرف وفقاً للقانون».
وتناولت النسخة الأخيرة مبادئ عامة ضمن ١٢ بنداً تتعلق بـ «احترام سيادة سورية واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها أرضاً وشعباً» و «حماية تمتّع سورية بالمساواة التامة من حيث السيادة الوطنية» وأن «يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده بالوسائل الديموقراطية عن طريق صندوق الاقتراع» وأن تكون «سورية دولة ديموقراطية وغير طائفية تقوم على المواطنة والتعددية السياسية»، إضافة إلى «الوحدة الوطنية والتمثيل العادل بإدارة المحليات في الدولة والإدارة المحلية الذاتية للمحافظات والمحليات». ونص البند السادس على «استمرارية عمل الدولة ومؤسساتها العامة، وتحسين أدائهما مع إجراء إصلاحات وفقاً لما تقتضيه الضرورة» بدلاً من الحديث عن «إعادة هيكلة» أو «إصلاح» وضرورة العمل «وفق معايير حقوق الإنسان».
وتناولت البنود الأخرى مبادئ عامة مثل «احترام حقوق الإنسان والحريات» و «إسناد قيمة عالية للهوية الوطنية لسورية» و «ضمان السلامة والمأوى للمشردين واللاجئين، بما في ذلك حقهم في العودة إلى ديارهم إذا رغبوا، وصون وحماية التراث الوطني والبيئة الطبيعية».
واستندت التعديلات على الوثيقة إلى ملاحظات وفدي الحكومة و «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة على الوثيقة السابقة. لكن وفد «الهيئة» لم يوافق على النسخة الجديدة بعد ومن المقرر أن يبحثها في اجتماع لـ «الهيئة» في الرياض في الأيام المقبلة. وبحسب المعلومات المتوافرة لـ «الحياة»، فإن انقساماً حصل في «الهيئة» إزاء جدول أعمال الجولة المقبلة بعد موافقة دي ميستورا على طلب دمشق زيادة «سلة مكافحة الإرهاب» إلى «سلال الحكم والدستور والانتخابات» إلى جدول الأعمال. إذ إن ممثلي الفصائل وافقوا على إدراج بند الإرهاب «لكن شرط إثارة كل التفاصيل المتعلقة بالبراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي» في مقابل رفض الكتل السياسية هذا الأمر، خصوصاً بعدما أكد المبعوث الدولي أن مفاوضات جنيف المتوقع أن تبدأ في حدود ٢٣ الشهر الجاري، ستكون متوازية وغير مباشرة لبحث الحكم والدستور والانتخابات لتحقيق الانتقال السياسي، إضافة إلى «بحث الأمور الاستراتيجية المتعلقة بالإرهاب ضمن المرحلة الانتقالية» وترك تفاصيل وقف النار ومكافحة الإرهاب إلى مسار آستانة حيث سيعقد اجتماع آخر في العاصمة الكازاخستانية منتصف الشهر الجاري لتعزيز تشكيل المجموعة الروسية – التركية – الإيرانية لمراقبة وقف النار وتبادل المعلومات والرد على الخروق.
في المقابل، قدّم وفدا مجموعتي موسكو والقاهرة بعض التعليقات على «اللاورقة» لمبادئ الحل السياسي في سورية. وأبلغ مصدر في مجموعة القاهرة أن ملاحظاتهم تضمنت «استغراب ذكر عبارة قوة مسلحة قوية وموحدة» حيث تم اقتراح اعتماد عبارة «الحفاظ على مؤسسة الجيش والقوات المسلحة قوية وموحدة»، إضافة إلى اعتماد عبارة «الحفاظ على السيادة» بدل «احترامها»، وإلى اقتراح عبارة «مبدأ اللامركزية» الأمر الذي يقترب من موقف «الاتحاد الوطني الكردي» بزعامة صالح مسلم الذي لم يمثّل في مفاوضات جنيف بسبب «فيتو» تركي.
وإذ كان لافتاً أن «اللاورقة» الجديدة تضمنت الحق باستعادة الأراضي المحتلة بـ «الوسائل المتاحة» بدل الاقتصار على «الوسائل السلمية» في نص العام الماضي، فإن مجموعة موسكو اقترحت إضافة أن تكون «استعادة الجولان المحتلة بالوسائل المشروعة في القرارات الدولية»، إضافة إلى التأكيد على «عدم تدخل الجيش بالسياسة» ورفض «كل أنواع الإرهاب» مع دعم «اللامركزية».
أما الوفد الحكومي، فقدّم ثلاث ملاحظات على النص الجديد تتعلق بدعم «الجيش في محاربة الإرهاب والابتعاد عن الفصائل الإرهابية». وبحسب مصادر ديبلوماسية، فإن مسؤولاً في الحكومة السورية أبلغ ديبلوماسيين بوجود أربعة شروط لنجاح عملية جنيف هي: «أولاً، أن يؤمن كل المشاركين بالحل السياسي. ثانياً، اللجوء إلى صناديق الاقتراع لإظهار قوة المعارضة والحكومة ورفض أي تغيير من الخارج. ثالثاً، ابتعاد الفصائل المسلحة عن المجموعات الإرهابية المسلحة. رابعاً، يجب أن تؤمن جميع الأطراف المشاركة في الحل بسلطة الدولة على كل الأراضي السورية ويجب أن تشارك المجموعات الجيش السوري في محاربة الإرهابيين».
من جهته، قال رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إن «الشيء الوحيد» الذي تحقق في جولة مفاوضات دامت عشرة أيام في جنيف هو الاتفاق على جدول أعمال وإن الحكومة السورية تريد التفاوض مع «وفد معارضة موحد»، الأمر الذي بدأت ملامحه عبر التنسيق بين «الهيئة العليا» ومجموعتي موسكو والقاهرة.
وكانت موسكو ضغطت على دمشق كي يوافق الجعفري على مناقشة الانتقال السياسي في جنيف مقابل إدراج مكافحة الإرهاب على جدول الأعمال. ولوحظ حضور نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف في أروقة مفاوضات جنيف مقابل التزام المبعوث الأميركي مايكل راتني الصمت ثم عودته مبكراً إلى واشنطن باعتبار أنه تسلّم منصب مساعد نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط. ويتوقع تعيين ديبلوماسي جديد مبعوثاً خاصاً إلى سورية في الأسابيع المقبلة.
hgpdhm