أدت تجربة في مختبر للعلوم في مدرسة ثانوية في مصر إلى العثور على طريقة مستمرة لمكافحة السحابة السوداء التي تغطي سماء القاهرة وعدة محافظات أخرى خلال أشهر الخريف من كل عام.
وفازت صاحبة التجربة، ياسمين يحيي مصطفى، التي تبلغ 19 عاما، بجائزة دولية في 2015 لاختراعها تقنية لتنقية المياه، والحد من معدلات تلوث الهواء المنبعث من حرق قش الأرز بعد الزراعة الموسمية.
وقد بدأت السحابة السوداء التي تلوث أجواء مصر في الظهور عام 1997 وانتشرت سريعاً بحيث أصبحت تمثل 42 في المئة من تلوث الهواء في مصر.
ويرجع السبب الأساسي وراء هذا التلوث إلى حرق الفلاحين أطنانا من قش الأرز لعدم توافر الامكانات اللازمة لنقله إلى مراكز إعادة التدوير ولارتفاع التكلفة المطلوبة.
ومن أكثر الحلول المبتكرة التي قدمت لمواجهة هذه المشكلة اختراع ياسمين المسمى “طاقة قش الأرز”، وهو الاختراع الفائز بالمركز الأول في مسابقة انتل للعلوم والهندسةIntel ISEF عام 2015.
وتقديرا لاختراعها أطلقت وكالة ناسا اسمها على حزام كويكبات اكتشف في عام 2000.
وبالرغم من احتفاء مصر بالمشروع، فإن الحكومة لم تبدأ في تنفيذ الفكرة، ولذلك أخذت ياسمين تطور المشروع لعرضه على شركات خاصة لتتبناه.
وتقول ياسمين لبي بي سي: “كنت أحاول أن أحل مشكلة السحابة السوداء وأن استفيد منها في نفس الوقت. أعتقد أن الطريقة الوحيدة للتخلص من الكميات الهائلة التي ننتجها من قش الأرز هو حرقها، هذه هي الطريقة الأسرع والأقل كلفة، ولكن هذا يؤدي إلى مشكلة بسبب الغازات المنبعثة من الاحتراق، ولذلك وجدت طريقة لاستخدام هذه الغازات لإنتاج وقود حيوي، وسماد، وفيتامين ب وطاقة كهرومائية”.
وانتقلت ياسمين، التي تنتمي إلى قرية المنازلة في محافظة دمياط في دلتا النيل، إلى القاهرة في 2013 للالتحاق بمدرسة المتفوقات، وهي تدرس حالياً هندسة البترول والغاز الطبيعي في جامعة بقبرص.
وتقول ياسمين إن بداية مشروعها كانت البحث عن طرق منخفضة التكلفة لتنقية المياه. واكتشفت في أثناء ذلك أن المادة الأساسية المستخدمة في عملية التقطير البيولوجي هي قش الأرز.
وأضافت “نحن نحرق النفايات الزراعية في درجة حرارة تصل إلى 1200 درجة مئوية، وهي الدرجة نفسها التي يمكن استخدامها في تقطير المياه، ثم تعالج الغازات المنبعثة من العملية، كل على حدة”.
وتضيف المخترعة الصغيرة أن كل المواد المطلوبة لهذه التقنية متوفرة في مصر، وتعد من المخلفات الطبيعية أو الزراعية، مثل قش الأرز، والطحالب التي تتكون على سطح المياه الراكدة.
ولكن أحد معوقات تنفيذ المشروع هو ارتفاع تكلفة بناء وحدة لتنقية المياه، ومعالجة الدخان الناتج عن حرق قش الأرز. ولذلك فإن ياسمين تعمل حالياً – بحسب ما تقوله – على تصغير حجم التصميم بحيث يتمكن المزارعون من استخدامه مباشرة.
وتقول آمال طه رئيسة الإدارة المركزية للإعلام والتوعية البيئية في وزارة البيئة المصرية إن الدولة كرمت ياسمين وإن مشروعها أحيل لقسم إدارة المخلفات في الوزارة.
الفلاحون في مصر لا يستطيعون تحمل عبء نقل قش الأرز لتدويره فيضطرون إلى إحراقه
وقالت وزارة البيئة إن استراتيجيتها الخاصة لمكافحة السحابة السوداء حققت نتائج جيدة في عام 2016.
وتقول آمال طه إن الوزارة وقعت بروتوكولا مع إحدى شركات الأسمنت لتوريد قش الأرز لاستخدامه في صناعة مواد البناء، وتجمع الوزارة، في أربع محافظات، المخلفات وتحولها إلى أسمدة وأعلاف.
وتضيف: “نعمل على تدريب الفلاحين على التعامل مع المخلفات حتى نضمن استمرار العمل”.
إلا أن ياسمين تختلف مع ما قالته آمال طه، وتقول إنه “ليس من الممكن أن نمنع الناس من حرق الكميات المهولة التي تنتج عن قش الأرز ومن الصعب السيطرة على مزارعي مصر كلهم. ولذلك أشجع الوزارة على أن تتبنى الأفكار الجديدة للتعامل مع المشكلة”.
وكانت ياسمين قد تلقت عرضاً من شركة ألمانية لاستثمار المشروع في 2015، لكنها رفضته في ذلك الوقت. وتقول إنها ندمت على هذا الرفض وأنها تعمل حالياً على عرضه على شركات أخرى بعد الانتهاء من تعديل التصميم.
وتضيف: “قلت لنفسي في ذلك الوقت إنها مشكلة داخل مصر وسنحلها داخل مصر، ولكنني لم أجد التشجيع الكافي”.
بي بي سي